معهد الخوئي | Al-Khoei Institute

معهد الخوئي | Al-Khoei Institute
  • الإمام الخوئي
  • المكتبة المرئية
  • المكتبة الصوتية
  • المكتبة
  • الاستفتاءات

15- السجود على الأرض

  • ١٩٢٨٥

 فصل


في مسجد الجبهة من مكان المصلي


 


يشترط فيه ـ مضافاً إلى طهارته ـ أن يكون من الأرض أو ما أنبتته(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) أما اشتراط الطهارة فسيجيء الكلام حوله في مبحث السجود عند تعرض الماتن له(1) إن شاء الله تعالى .


   وأما كونه من الأرض أو ما أنبتته فلا خلاف بين المسلمين في جواز السجود عليهما ، نعم يشترط ذلك في المسجد عند الخاصة ، فلا يجوز السجود على غيرهما إجماعاً ، بل نسب ذلك إلى دين الامامية خلافاً للعامة(2) . والمستند بعد الاجماع عدة نصوص مستفيضة وفيها المعتبرة :


   منها : صحيحة هشام بن الحكم «أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعما لا يجوز ، قال : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس . فقال له : جعلت فداك ما العلة في ذلك ؟ قال : لأنّ السجود خضوع لله (عزَّ وجلَّ) فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة الله (عزَّ وجلَّ) فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها»(3) ونحوها غيرها فلاحظ .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) قبل المسألة [1609] التاسع من واجبات السجود .


(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 232 .


(3) الوسائل 5 : 343 / أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 .


ــ[130]ــ


غير المأكول والملبوس(1) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) فلا يجوز السجود عليهما بلا خلاف ، بل إجماعاً كما ادعاه غير واحد ، ويقتضيه غير واحد من النصوص المعتبرة التي منها صحيحة هشام المتقدمة .


   نعم ، ورد في بعض النصوص جواز السجود على القطن والكتان ، وبعد ملاحظة انحصار الملبوس مما أنبتته الأرض فيهما إلاّ نادراً يكاد يلحق بالعدم كالمتخذ من الخوص ونحوه ، فلا محالة تقع المعارضة بين هذه النصوص وبين الروايات المتقدمة المانعة عن السجود على الملبوس ، فلا بد من العلاج . وهذه النصوص ثلاثة :


   أحدها : خبر ياسر الخادم قال : «مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام) وأنا اُصلّي على الطبري وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه ، فقال لي : ما لك لا تسجد عليه ، أليس هو من نبات الأرض»(1) .


   الثانية : رواية داود الصرمي قال : «سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) : هل يجوز السجود على القطن والكتّان من غير تقية ؟ فقال : جائز»(2) .


   الثالثة : رواية الصنعاني قال : «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن السجود على القطن والكتّان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليَّ : ذلك جائز»(3) .


   لكن الرواية الاولى مضافاً إلى ضعف سندها من جهة ياسر لعدم ثبوت وثاقته(4) قاصرة الدلالة ، لعدم وضوح المراد من الطبري ، وإن قيل إنه ثوب منسوب إلى طبرستان مأخوذ من القطن أو الكتّان(5) ، لكنه لم يثبت ، ولعله شبه الحصير ونحوه ، والمسلّم أنه شيء منسوب إلى تلك البلدة .


   والرواية الأخيرة ضعيفة السند من جهة الصنعاني فانه مهمل .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) ، (2) ، (3) الوسائل 5 : 348 / أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 5 ، 6 ، 7 .


(4) لكنه من رجال تفسير القمي ، لاحظ المعجم 21 : 9/13438 .


(5) مجمع البحرين 3 : 376 .


ــ[131]ــ


   والعمدة إنّما هي الرواية الثانية ، فإن الصرمي وإن لم يوثّق في كتب الرجال ، لكنه مذكور في أسانيد كامل الزيارات . فالرواية موثقة(1) وقد جمع بينها وبين الروايات المتقدمة بالحمل على الكراهة .


   لكنه كما ترى لا مسرح له في مثل المقام مما ورد النفي والاثبات على موضوع واحد بلسان الجواز وعدمه ، وإنما يتجه فيما إذا كان أحد الدليلين ظاهراً في المنع ، والآخر نصّاً في الجواز أو أظهر منه ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الآخر أو أظهريته ، كما إذا ورد النهي عن شيء وورد الترخيص في ارتكابه ، كقوله : لا تفعل كذا مع قوله : لا بأس في الاتيان به .


   وأما في المقام فالدلالتان على حد سواء ظهوراً أو صراحة ، وقد دلت هذه الرواية على الجواز صريحاً ، والروايات المتقدمة على عدم الجواز كذلك ، ومثلهما يعدّان متعارضين لدى العرف ، وليس أحدهما أظهر من الآخر ، فالحمل على الكراهة في مثله ليس من الجمع العرفي في شيء كما لا يخفى .


   فالمتعيّن هو الرجوع إلى المرجّح السندي بعد امتناع الجمع الدلالي ، وحيث إنّ تلك الروايات مضافاً إلى أشهريتها وأكثريتها مخالفة للعامة وهذه موافقة لهم ، فلتحمل هذه على التقية لا سيّما في مثل الرواية الأخيرة المشتملة على المكاتبة التي هي أقرب إلى التقية ، ولا ينافيه تصريح الراوي بقوله : من غير تقية ، فانّ فرض عدم التقية من قبل الراوي لا يؤثّر في تشخيص وظيفة الامام (عليه السلام) من إلقاء الحكم بنحو التقية لو رأى (عليه السلام) تمامية موازينها ، فانه (عليه السلام) أعرف بوظيفته . 


   ثم إنه ربما يجمع بين الطائفتين بوجهين آخرين :


   أحدهما : ما عن الشيخ (قدس سره) من حمل أخبار الجواز على الضرورة(2) .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) حسب الرأي السابق ، وقد عدل (دام ظله) عنه أخيراً .


(2) التهذيب 2 : 308 .


ــ[132]ــ


   وفيه : ما لا يخفى ، فانه ـ مضافاً إلى كونه جمعاً تبرعياً لا شاهد عليه ـ ينافيه التقييد بعدم الضرورة في نفس الأخبار كما في خبر الصنعاني المتقدم ، ومن البعيد جدّاً إعراض الامام (عليه السلام) عن بيان حكم عدم الضرورة الذي فرضه السائل والتعرض لحكم الضرورة .


   ثانيهما : حمل أخبار الجواز على مادة اللباس وهي القطن والكتّان قبل الغزل والنسج ، وأخبار المنع على ما بعدهما المتصف باللباس فعلاً ، ويجعل الشاهد على هذا الجمع رواية تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) في حديث «قال : وكل شيء يكون غذاء الانسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه إلاّ في حال ضرورة»(1) .


   وفيه : أنّ الرواية ضعيفة السند بالارسال ، فلا تصلح شاهدة للجمع . على أنّ أخبار المنع في نفسها آبية عن هذا الحمل ، فإنّ ما أكل أو لبس استثناء عن نبات الأرض ، فلا بد من صدق عنوان النبات عليه رعاية لاتصال الاستثناء الذي هو الظاهر منه ، ولا يتحقق ذلك إلاّ قبل معالجته بالنسج أو الطبخ ، وإلاّ فبعد العلاج لا يصدق عليه نبات الأرض وإنما هو شيء متخذ منه مع مباينته معه فعلاً ، فلا يكون الاستثناء متصلاً ، ومرجع ذلك إلى إرادة القابلية مما اُكل أو لبس ، فكما أنّ الحنطة مثلاً لا يجوز السجود عليها لكونها من نبات الأرض القابل للأكل وإن لم يكن مأكولاً فعلاً ، فكذا القطن فانه قابل للبس بحسب طبعه وإن لم يكن كذلك فعلاً إلاّ بالعلاج من غزل ونسج .


   نعم ، لو ورد في دليل المنعُ عن السجود على الملبوس ، وفي دليل آخر جواز السجود على القطن ، أمكن الجمع المزبور بالحمل على ما قبل النسج وما 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب1 ح11 ، تحف العقول : 338 .


ــ[133]ــ


   نعم يجوز على القرطاس أيضاً(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بعده ، لكن قرينة الاستثناء في المقام مانعة عن ذلك كما عرفت .


   ويؤيد ما ذكرناه : التعبير عن المستثنى بما اُكل أو لبس بصيغة الماضي ـ دون المضارع ـ الدالة على تحققه خارجاً ، فانّ ما أكل قد انعدم ، فلا موضوع له كي يسجد عليه ، فيكشف عن أنّ المراد ما أكله الناس خارجاً أو لبسه بعد إعمال العلاج ، لكونه بحسب طبعه قابلاً لذلك قبال ما يكون فاقداً لهذه القابلية من سائر أنواع نبات الأرض ، فيكون مصداقه نفس القطن أو الكتّان قبل اتصافهما بالملبوسية ، فتتحقق المعارضة ـ لا محالة ـ بينها وبين ما دل على الجواز ، فهذا الجمع أيضاً يتلو سوابقه في الضعف .


   فلا مناص من اختيار ما ذكرناه في استقرار المعارضة بين الطائفتين ولزوم الرجوع إلى المرجّح السندي ، وقد عرفت أنّ مقتضاه حمل أخبار الجواز على التقية .


   (1) الكلام هنا يقع من جهتين : إحداهما : في أصل جواز السجود على القرطاس ولو في الجملة .


   ثانيتهما : في جواز السجود عليه حتى إذا كان متخذاً ممّا لا يصح السجود عليه في جنسه من قطن أو صوف أو حرير ونحوها .


   أما الجهة الاُولى : فالظاهر عدم الخلاف في الجواز ، بل عليه الاجماع في كثير من الكلمات ، وتشهد له جملة من النصوص المتضمنة لقول المعصوم (عليه السلام) أو فعله :


   منها : صحيحة صفوان الجمال قال : «رأيت أبا عبدالله (عليه السلام) في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومئ إيماءً»(1) .


   وصحيحة علي بن مهزيار قال : «سأل داود بن فرقد أبا الحسن (عليه 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح1 .


ــ[134]ــ


السلام) عن القراطيس والكواغذ المكتوبة عليها ، هل يجوز السجود عليها أم لا ؟ فكتب : يجوز»(1) .


   وصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «أنه كره أن يسجد على قرطاس عليه كتابة»(2) . قوله (عليه السلام) : «يسجد» في الصحيحة الأخيرة يمكن أن يكون بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وعلى أيّ حال فهي لا تعارض ما قبلها ، فانّ الكراهة في لسان الأخبار وإن كانت أعم من المصطلحة ، لاطلاقها على الحرام أيضاً ، كما ورد أن علياً (عليه السلام) كان يكره بيع المثل بالمثل مع الزيادة ـ أي الربا ـ (3) لكن المراد بها في المقام هي الكراهة المصطلحة بقرينة الصحيحة السابقة المصرّحة بالجواز المتحد موردها مع هذه الصحيحة ، فغاية ما هناك أن يلتزم بالكراهة في خصوص القرطاس الذي عليه كتابة .


   وأما الجهة الثانية : فقد تعرّض لها الماتن (قدس سره) في المسألة الثانية والعشرين الآتية ، لكنّا نقدّمها هنا للمناسبة .


   فنقول الأقوال في المسألة ثلاثة :


   جواز السجود على القرطاس مطلقاً .


   وتقييده بالمتخذ من النبات ، فلا يجوز على ما اتخذ من الصوف أو الحرير .


   وتقييد النبات بما كان من جنس ما يصح السجود عليه كالحشيش ونحوه ، فلا يجوز على ما كانت مادّته القطن أو الكتان ، إلاّ إذا قلنا بجواز السجود عليهما اختياراً .


   ومنشأ الخلاف الاختلاف في مدلول الأخبار ـ وهي النصوص المتقدمة ـ من حيث السعة والضيق والدلالة على الاطلاق وعدمها .


   أما صحيحة صفوان فهي قضية في واقعة وحكاية فعل مجمل العنوان ، فلا 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 2 .


(2) الوسائل 5 : 356 / أبواب ما يسجد عليه ب 7 ح 3 .


(3) لم نعثر عليه .


ــ[135]ــ


دلالة فيها على الاطلاق بلا ارتياب .


   وأما صحيحة علي بن مهزيار فقد رواها في الوسائل بعدّة طرق كلها معتبرة والجميع تنتهي إلى داود بن فرقد عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) فانّ أبا يزيد كنية فرقد ، فما نقله عن الشيخ(1) باسناده عن داود بن يزيد سهو إما من قلم الشيخ أو النسّاخ ، والصواب أبو يزيد كما في طريق الصدوق(2) كما أنّ كلمة «الثالث» المذكورة في طريق الصدوق عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) غلط ، لأنّ داود بن فرقد من أصحاب الكاظم (عليه السلام) وروى عن الصادق (عليه السلام) أيضاً ، فكيف يمكن روايته عن أبي الحسن الثالث وهو الهادي (عليه السلام) فذكره مستدرك ، والصواب (أبي الحسن) المراد به الكاظم (عليه السلام) كما نبّه عليه المعلّق .


   هذا من حيث السند ، وأما فقه الحديث فالكواغذ المكتوبة إما عطف بيان على القراطيس ، أو من عطف الخاص على العام ، وعلى أيّ حال فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي لم يكتب عليه . أما على الثاني فظاهر ، وأما على الأول فبالتقرير تارة وبالفحوى اُخرى كما لا يخفى ،


   وكيف كان فمقتضى الاطلاق الناشئ من ترك الاستفصال عدم الفرق في القرطاس بين ما اتخدت مادته من نبات الأرض أو من غيره كالصوف والحرير فضلا عن كون النبات مما يصح السجود عليه وعدمه .


   وأما صحيحة جميل فبعد حمل الكراهة فيها على المصطلحة كما سبق ، فهي تدل على الجواز في القرطاس الذي ليست عليه كتابة بالفحوى ، ومقتضى الاطلاق شمول الحكم للقرطاس بأقسامه ، سواء أكان (يسجد) بالبناء للمعلوم أو للمجهول ، وإن كان الأمر على الثاني أظهر .


   هذا وربما يناقش في دلالة النصوص على الاطلاق .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) التهذيب 2 : 235 / 929 .


(2) الفقيه 1 : 176 / 830 .


ــ[136]ــ


   أما الصحيحة الاُولى ، فلما مرّ وهو في محله كما عرفت . وأما الصحيحتان الأخيرتان ، فلأنهما لم تردا في مقام بيان تشريع السجود على القرطاس حتى ينعقد الاطلاق ، بل النظر فيهما مقصور على عدم مانعية الكتابة عن السجود على ما يصح السجود عليه من أنواع القرطاس ، فليس الامام (عليه السلام) إلا بصدد الذب عما تخيّله السائل من مانعية الكتابة ، وأنّه لا فرق بين المكتوب وغير المكتوب فيما يصح السجود عليه ، وأما أنّ مصداق ما يصح أيّ شيء فلم يكن (عليه السلام) في مقام بيانه كي يتمسك باطلاق كلامه .


   وعليه فلابد من الاقتصار على المقدار المتيقن ، رعاية لما دلّ على المنع عن السجود على غير الأرض ونبتها ، وحينئذ فان منعنا عن السجود على القطن والكتان اختياراً اختص الحكم بالمتخذ من نبات غيرهما كالحشيش ونحوه ، وإلا عمّهما أيضاً . وعلى أيّ حال فلا يشمل الحكم ما اتخذ من غير النبات كالصوف والحرير فضلا عن الشمول لمطلق النبت وإن لم يصح السجود عليه .


   وفيه أوّلاً : أنه لا ينبغي الريب في خروج القرطاس عن حقيقة ما اتخذ منه ـ كائناً ما كان ـ واستحالته إلى حقيقة اُخرى ، فهو بالفعل مباين مع مادته في نظر العرف وموجود آخر في قبالها لا يصدق عليه الأرض ولا نباتها ، وإن كانت المادة متخذة منها ، فلا وجه لمراعاة كونها مما يصح السجود عليه بعد تغيّر الصورة النوعية وتبدلها إلى حقيقة اُخرى ، ألا ترى أنّه لو صنع من قرطاس متخذ من الحرير ثوب فانه يجوز لبسه والصلاة فيه ، لعدم كونه عرفاً من مصاديق الحرير .


   على أن حمل هذه النصوص ـ الواردة في القرطاس ـ على المتخذ مما يصح السجود عليه ، حمل على الفرد النادر بعد ملاحظة المنع عن السجود على القطن والكتّان كما هو الأقوى على ما عرفت ، فانّ الغالب صنعه منهما دون مثل الحشيش ونحوه الذي هو فرد نادر .


ــ[137]ــ


   مضافاً إلى لزوم اللغوية في هذه الأخبار ، لتعذر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس ، وأنّها مما يصح السجود عليه أم لا ، إلا بالرجوع إلى أهل الخبرة ومهرة الفن غير المتيسر لأغلب الناس ، مع أنّ من أجزائه النورة التي لا يجوز السجود عليها بعد الطبخ عند المشهور ، وعليه فلا مناص من الاغضاء عن المادة وملاحظة حاله الفعلي ، وحيث إنّه بالفعل لا يعدّ من الأرض ولا من نبتها كما عرفت ، وقد دلت الأخبار على جواز السجود عليه كما مرّ ، فلا مناص من الالتزام بالتخصيص فيما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها ، والالتزام باسثناء القرطاس عن الأدلة المانعة ، لكونه أخص منها مطلقاً ، وحيث لا دليل على تقييده بنوع خاص فيتمسك بالاطلاق في دليل التخصيص .


   وثانياً : مع الغض عما ذكر وتسليم عدم الاستحالة نقول : إنّ النسبة بين دليل الجواز وما دل على المنع عن السجود على غير الأرض ونباتها عموم(1) من وجه ، لافتراق الأوّل في القرطاس المتخذ من مثل الحشيش ونحوه ، وافتراق الثاني في غير القرطاس مما لم يكن من الأرض ونبتها ، ومادة الاجتماع هو القرطاس المتخذ من غير الأرض ونبتها كالمتخذ من الصوف أو الحرير ، فيتعارضان فيها ، لكن الترجيح مع الأوّل ، أعني دليل جواز السجود على القرطاس ، إذ لا يلزم منه محذور عدا الالتزام بالتخصيص في الأدلة المانعة عن السجود على غير الأرض ونباتها ، بخلاف العكس ، إذ يلزم من تقديم الثاني وهي الأدلة المانعة المحذور وهو إلغاء عنوان القرطاسية ، وعدم دخله بخصوصه في ثبوت الحكم ، إذ العبرة حينئذ في الجواز بكون ما يسجد عليه من الأرض أو نباتها ، سواء أكان قرطاساً أم غيره ، مع أنّ ظاهر النصوص أن للقرطاس 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) هذا مبني على أن يكون لدليل الجواز عموم أو إطلاق ، والمفروض أنّ المناقش ينكر ذلك    ويرى أنه (عليه السلام) لم يكن في مقام البيان لينعقد الاطلاق فلاحظ .


ــ[138]ــ


بعنوانه موضوعية للحكم ، ولهذا الوصف العنواني مدخل في الجواز ، وقد تقرّر في محلّه أنّ العامين من وجه إذا لزم من تقديم أحدهما على الآخر محذور دون العكس قدّم الثاني(1) .


   ونظيره تقديم ما دلّ على أن كل طائر يطير بجناحيه فلا بأس ببوله وخرئه(2) على قوله : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) ، فان النسبة بينهما وإن كانت عموماً من وجه ، إلا أنّ الترجيح مع الأوّل ، إذ لو قدّم الثاني لزم إلغاء عنوان الطيران المخالف لظهور دليل اعتباره كما لا يخفى .


   مع أنّه يلزم من تقديم الأدلة المانعة محذور آخر وهو حمل دليل الجواز على الفرد النادر ، بل لغويته من جهة تعذّر الاطلاع غالباً على مادة القرطاس وما اتخذ منه كما أشرنا إليهما آنفاً فلاحظ .


   وثالثاً : مع الغض عن جميع ذلك وتسليم استقرار المعارضة من دون مرجّح ، فالمرجع بعد التساقط أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه قرطاساً متخذاً مما لا يصح السجود عليه ، فانّ المتيقن من التقييد عدم جواز السجود على غير الأرض ونبتها في غير القرطاس ، وأمّا فيه فشك في أصل التكليف يدفع بالبراءة كما هو الشأن في كل ما دار الأمر فيه بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ولا مجال للرجوع إلى عموم عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها ، لابتلائه بالمعارض في خصوص القرطاس كما هو ظاهر .


   فتحصل : أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس مطلقاً ، وإن كان الأحوط عدم السجود على المتخذ من غير النبات ، وأحوط منه اعتبار كون النبات مما يصح السجود عليه .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) مصباح الاصول3 : 265 .


(2) ورد مضمونه في الوسائل 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1 .


(3) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .


ــ[139]ــ


فلا يصح على ما خرج عن اسم الأرض كالمعادن مثل الذهب والفضة والعقيق والفيروزج((1)) والقير والزفت ونحوها(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) يقع الكلام في جهات :


   الاُولى : في تأسيس الأصل وأنّه إذا شك في جواز السجود على شيء فهل أنّ مقتضى الأصل العملي هو الجواز إلا أن يثبت كونه مما لا يصح السجود عليه ، أو أنّ مقتضى الأصل عدم الجواز إلا أن يثبت خلافه ؟


   فنقول : قد تفرض الشبهة مفهومية من جهة إجمال اللفظ وتردده بين الأقل والأكثر ، لعدم العلم بحدود المعنى المراد من اللفظ من حيث السعة والضيق مع العلم بحال الموجود الخارجي وعدم الشك فيه ، نظير الترديد في مفهوم الماء وأنّه هل هو معنى عام ينطبق على ماء الزاج والكبريت ، أو أنّ خصوصية اُخذت فيه أوجبت ضيق المعنى بحيث لا تنطبق عليهما .


   وأخرى : تفرض الشبهة مصداقية ، للجهل بما هو الموجود في الخارج مع العلم بحدود المعنى وعدم الترديد في المراد من اللفظ .


   أما القسم الأوّل : كما لو شككنا في مفهوم الأرض الموضوع لوجوب السجود عليها ، وأنّ ما وُضع له اللفظ هل هو معنى عام بحيث يصدق على المعدن كالذهب والفضة ونحوهما ، أو أنّ المعنى ضيّق لاعتبار خصوصية فيه تمنع عن الصدق عليه .


   والظاهر أنّ المرجع حينئذ أصالة البراءة عن اعتبار تلك الخصوصية ، لكون الشك حينئذ عائداً إلى مقام الجعل ، إذ نشك في حدوث التكليف زائداً على المقدار المتيقن ، فان المتيقن منه وجوب السجود على الجامع بين الفرد المشكوك كالمعدن ومتيقن الأرضية كالتراب ، وأما تقييد الواجب بخصوصية اُخرى تمنع عن صدقه على المعدن فهو من أصله مشكوك ، 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) على الأحوط ، والأظهر جواز السجود عليهما وعلى ما شاكلهما من الأحجار الكريمة .


ــ[140]ــ


للشك في دخله في مفهوم اللفظ ومسمّـاه فيدفع التقييد بأصالة البراءة كما هو الشأن في كل واجب مردد بين الأقل والأكثر . وإن شئت فقل : إنّ الأفراد المتيقن عدم كونها من الأرض نقطع بعدم صحة السجود عليها ، وأنّ الواجب قد اعتبر مقيداً بعدمها ، وأمّا الفرد المشكوك فلا علم بالتقييد بعدمه ، والأصل البراءة .


   وبالجملة : ما اُريد من اللفظ دائر بين الاطلاق والتقييد والمعنى الوسيع والضيّق ، لتردده بين ما لا ينطبق على المعدن مثلا وبين ما يشمله ، ولا علم لنا إلا بالأعم ، أعني الجامع الصالح انطباقه عليهما ، لكونه الأقل المتيقن إرادته ، فانّه الأخف مؤونة ، وأمّا الزائد عليه ، أعني لحاظ الخصوصية وتقيد المأمور به بما يمتنع صدقه على الفرد المشكوك وهو المعدن ، فحيث إنه يحتاج إلى عناية خاصة ومؤونة زائدة ، فنشك في تقيد الجعل به زائداً على المقدار المتقين ، والأصل عدمه . وهذا هو الشأن في كل مفهوم مجمل مردد بين الأقل والأكثر ، كمفهومي الفسق والغناء ونحوهما .


   فلا يصغى إلى ما يقال : من أنّا علمنا بوجوب السجود على الأرض ، ولا يحصل العلم بالفراغ إلا بالسجود على متيقن الأرضية ، فلا يجزئ على الفرد المشكوك ، لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية عملا بقاعدة الاشتغال .


   إذ فيه : أنّ المعلوم وجوبه ليس نفس المفهوم كي يشك في تحققه في الخارج ، وإنّما المعلوم وجوب السجود على ما اُريد من لفظ الأرض ، وحيث إنّ المراد منه مردد بين الأقل والأكثر ، فلا علم بالوجوب إلا بالنسبة إلى الجامع كما عرفت ، وأمّا تقيّده بما يمنع عن انطباقه على المعدن مثلا ، فهو تكليف زائد يشك في حدوثه من أوّل الأمر ، فالشك راجع إلى مقام الجعل ، والمرجع فيه البراءة ، لا إلى مقام الامتثال كي يرجع إلى الاشتغال .


   وأما في القسم الثاني : أعني الشبهة المصداقية ، كما لو شك أنّ الموجود 


ــ[141]ــ


الخارجي تراب مثلا أم غيره مما يقطع بعدم صحة السجود عليه ، فلا ريب أنّ المرجع حينئذ قاعدة الاشتغال ، لكون المفهوم وما تعلّق به الوجوب مبيناً على الفرض فلا شك في مقام الجعل ، وإنمّا الشك في انطباقه على الموجود الخارجي ، فلابدّ من تحصيل القطع بالفراغ بعد العلم بالتكليف ، ولا يتحقق إلا بالسجود على متيقن الأرضية ، وهذا ظاهر .


   الجهة الثانية : قد عرفت أنّ الموضوع لوجوب السجود هو عنوان الأرض ، فكل ما صدق عليه اسم الأرض جاز السجود عليه ، سواء أكان من المعادن أم غيرها ، إذ لم يؤخذ في مفهوم المعدن خروجه عن اسم الأرض لا لغة ولا عرفاً ، كما أنّ عنوان المعدن لم يؤخذ موضوعاً لجواز السجود ولا لعدمه في شيء من الروايات حتى الضعيفة كي يتكلّم في تحقيق هذا المفهوم سعة وضيقاً .


   وبالجملة : الحكم دائر نفياً وإثباتاً مدار صدق اسم الأرض ، فمهما صدق العنوان جاز السجود عليه ، وإن صدق عليه اسم المعدن أيضا ، وإلا فلا ، وقد عرفت حكم الشك آنفاً .


   الجهة الثالثة : في تحقيق حال الأمور المذكورة في المتن من أمثلة المعدن ، وأنها هل تصدق عليها اسم الأرض كي يصح السجود عليها ـ كما عرفت ـ أو لا ؟


   أمّا الذهب والفضة فلا ارتياب في عدم صحة السجود عليهما ، لخروجهما عن اسم الأرض ونباتها ، ضرورة أنّهما ليسا من الأرض ، وإنّما هما فلزّان مخصوصان يتكوّنان في الأرض بقدرته تعالى ، وإن كانت موادّهما متخذة من نفس الأرض على كلام فيه ، لذهاب جملة من متأخري الفلاسفة إلى كونهما بسائط بالذات مباينة مع الأرض في حقائقها وماهيتها .


   وكيف كان ، فلا ريب في عدم صدق الأرض عليهما كنباتها .


   وأما العقيق والفيروزج ونحوهما من الأحجار الكريمة ، ففي خروجها عن 


ــ[142]ــ


اسم الأرض تأمل بل منع ، إذ لا نرى فرقاً بينها وبين بقية الأحجار كالحصاة ونحوها في صدق اسم الأرض عليها ، غايته أنّها تشتمل على صفات خاصة من الصفاء والجلاء واللون الخاص الموجب لرغبة العقلاء إليها ، وبذل المال بازائها ، وبذلك أصبحت من الأحجار الكريمة . مع أنّ هذه الصفات ربما توجد بمثلها بل فوقها في غيرها من سائر الأحجار كبعض الحصيات الواقعة في قعر الأنهار ، أو كبعض أنواع الزجاج ، ومع ذلك لا تعدّ كريمة ولا يرغب فيها العقلاء .


   وبالجملة : اتصاف تلك الأحجار بكونها كريمة وشرائها بأغلى الثمن لعلّة لا نعرفها ، لا يستوجب خروجها عن صدق اسم الأرض . وقد نقل أنّ بعض أراضي إفريقيا كلها عقيق ، فهل ترى فرقاً بينها وبين سائر الأماكن من بقية بقاع الارض في صدق اسم الأرض عليها .


   هذا ومع التنزل فلا أقلّ من الشك واحتمال صدق الأرض عليها وقد عرفت في الجهة الاُولى أنّ المرجع عند الشك في موارد الشبهة المفهومية أصالة البراءة ، فتقيّد المسجد بعدم كونه من هذه الأحجار مشكوك يدفع بالأصل .


   وعليه فالأقوى ـ خلافاً للمشهور ومنهم الماتن ـ جواز السجود عليها ، وإن كان الاحتياط لا ينبغي تركه ، حذراً عن مخالفة المشهور ، وقد يتفق أنّ السجود عليها مقتضى الاحتياط كما لا يخفى .


   وأما القير والزفت ـ والظاهر اتحادهما وعدم الفرق إلا بلحاظ حالتي الميعان وعدمه ، فالمائع يعبّر عنه بالزفت ، والجامد بالقير ، وقد يطلق عليه القار كما في بعض الأخبار الآتية ـ فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة ، مع الغض عن الأخبار الخاصة الواردة في المقام ، لم يكن مجال للترديد في عدم جواز السجود عليها ، لخروجها عن اسم الأرض بالضرورة ، فانّها مادة سوداء تتكون داخل الأرض تستخرج منها وينتفع بها بعد العلاج في طلي السفن وتعبيد الطرق ونحوها ، وكذا عن نباتها ، وإن اطلق عليها النبات في بعض 


ــ[143]ــ


الأخبار الآتية لكنه مأوّل كما ستعرف .


   إلا أن هناك أخباراً خاصة صحيحة السند قد دلت صريحاً على الجواز وبازائها ما يعارضها ، فلابد من النظر فيها وعلاجها .


   فنقول : روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار قال : «سأل المعلى بن خنيس أبا عبدالله (عليه السلام) وأنا عنده ، عن السجود على القفر وعلى القير ، فقال : لا بأس به»(1) ، ورواه الصدوق أيضاً بسنده الصحيح عن المعلى بن خنيس(2) .


   وفي صحيحته الاُخرى : «أنه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة على القار ، فقال : لا بأس به»(3) .


   وفي صحيحته الثالثة قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة ـ إلى أن قال ـ : يصلي على القير والقفر ويسجد عليه»(4) . وكون مورد الأخيرة السفينة لا قرينة فيه على إرادة حال الضرورة ـ كما ادعاه صاحب الوسائل ـ لعدم الملازمة بينهما ، لجواز التمكن مما يصح السجود عليه حينئذ من خشبة ونحوها .


   وفي صحيح منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : القير من نبات الأرض»(5) وقد عرفت أنّ القير ليس من نبات الأرض بالضرورة ، فلابدّ من التأويل ، والمراد أنّه بمنزلة النبات ـ بنحو الحكومة ـ في جواز السجود عليه كقوله : الفقاع خمر ، فيشترك مع النبات في حكمها تعبداً .


   وروى الشيخ باسناده عن إبراهيم بن ميمون «أنه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : نسجد (فأسجد) على ما في السفينة وعلى القير ؟ قال : 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 354 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 4 ، التهذيب 2 : 303 / 1224


(2) الفقيه 1 : 175 / 828 .


(3) ، (4) الوسائل 5 : 354 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 5 ، 6 .


(5) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 8 .


ــ[144]ــ


لا بأس»(1) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة ضعف طريق الشيخ(2) إلى إبراهيم بن ميمون . مضافاً إلى عدم ثبوت وثاقة الرجل في نفسه .


   والعمدة إنما هي الروايات السابقة الصحيحة سنداً والصريحة دلالة . وبازائها رواية محمد بن عمرو بن سعيد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «قال : لا تسجد على القير ولا على القفر ، ولا على الصاروج»(3) لكن الرواية ضعيفة السند من جهة علي بن إسماعيل السندي الواقع في الطريق فانه لم يوثق ، نعم وثقه نصر بن الصباح(4) ، لكن نصراً في نفسه ضعيف فلا عبرة بتوثيقه ، فهذه الرواية لا تصلح للمعارضة مع الروايات السابقة .


   وإنما الصالح لها هي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت له : أسجد على الزفت يعني القير ؟ فقال لا ، ولا على الثوب الكرسف ، ولا على الصوف ، ولا على شيء من الحيوان ، ولا على طعام ، ولا على شيء من ثمار الأرض ، ولا على شيء من الرياش»(5) فلابد من العلاج .


   وقد جمع بينهما بحمل الطائفة السابقة على مورد الضرورة أو موارد التقية ، لكنه كما ترى جمع تبرّعي لا شاهد عليه .


   وربما يجمع بحمل الرواية الأخيرة على الكراهة ، وهو أيضا يتلو سابقه في الضعف لما تقدم
قريباً(6) من أنّ هذا النوع من الجمع إنما يستقيم فيما إذا اختلفت الدلالتان في الظهور قوة وضعفاً فكانت إحداهما ظاهرة والأخرى نصاً أو 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 355 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 7 ، التهذيب 3 : 298 / 908 .


(2) ولكنها مروية بطريق الصدوق أيضاً [الفقيه 1 : 291 / 1324] وطريقه إليه صحيح  لاحظ المعجم 1 : 283 / 321 .


(3) الوسائل 5: 353 / أبواب ما يسجد عليه ب 6 ح 1 .


(4) رجال الكشي : 598 / 1119 .


(5) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1 .


(6) في ص 131 .


ــ[145]ــ


أظهر ، فيرفع اليد عن الظهور بنصوصية الاُخرى أو أظهريتها ، بحيث لو اجتمعتا واقترنتا في دليل واحد لم تكونا من المتناقضين ، بل كان إحداهما قرينة صالحة للتصرف في الاُخرى كقوله : لا تفعل كذا ، مع قوله : لا بأس في ارتكابه ، أو قوله : افعل كذا ، مع قوله : لا بأس بتركه ، حيث إنّ النهي أو الأمر ظاهر في الحرمة أو الوجوب ، ونفي البأس صريح في الجواز ، فيرفع اليد عن الظهور بالنص ، ويحمل على الكراهة أو الاستحباب .


   ومن الواضح أنّ هذا الضابط غير منطبق على المقام ، فانّ الروايات السابقة وإن كانت صريحة في الجواز ، للتصريح فيها بنفي البأس ، لكنّ الرواية الأخيرة ـ أعني صحيحة زرارة المعارضة ـ أيضاً صريحة في عدم الجواز ، فانها وإن كانت بلسان النهي الظاهر في المنع إلا أن قرينة وقوعه في مقام التحديد تجعله كالنص فيه ، بشهادة عطف غيره من سائر ما لا يصح السجود عليه من ثوب الكرسف والصوف وشيء من الحيوان والطعام ونحوها عليه ، فذكر القير في سياقها وعدّه من جملة الموارد المقطوع عدم جواز السجود عليها الكاشف عن كونه (عليه السلام) في مقام التحديد ، قرينة واضحة على إرادة المنع من النهي ، فهو صريح في عدم الجواز ، وقد عرفت أنّ صحيحة زرارة صريحة في الجواز ، فهما بمثابة التعبير بـ : يجوز ، ولا يجوز ولا شك أنّ مثلهما من المتعارضين لدى العرف ، لورود النفي والاثبات على موضوع واحد ، بحيث لو جمع بينهما في دليل واحد عدّا من المتناقضين ، لتكافئهما في الصراحة وعدم صلاحية أحدهما للتصرف في الآخر ، فالحمل على الكراهة لا مسرح له في المقام كما هو ظاهر .


   وقد يقال : إنّ الطائفة السابقة وإن كانت صحيحة السند صريحة الدلالة إلا أن إعراض المشهور عنها يسقطها عن الحجية ، فان السند كلما ازداد قوة ازداد بالاعراض وهناً ، فتبقى صحيحة زرارة الصريحة في المنع سليمة عن المعارض .


 وفيه أوّلا : منع الكبرى ، لما ذكرناه في الاُصول(1) من أنّ الاعراض لا 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) مصباح الاُصول 2 : 201 وما بعدها .


ــ[146]ــ


وكذا ما خرج عن اسم النبات كالرماد والفحم ونحوهما . ولا على المأكول والملبوس كالخبز والقطن والكتان ونحوها(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يستوجب الوهن ولا يسقط الخبر الصحيح عن الحجية ، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف ، فالاعراض والعمل لا يؤثّران في السند قوة ولا ضعفاً ، وتمام الكلام في محله .


   وثانياً : منع الصغرى ، لعدم ثبوت الاعراض ، إذ من الجائز إنّ عدم عملهم بها من جهة ابتلائها بالمعارض ـ وهي صحيحة زرارة ـ وترجيحه عليها لجهة من الجهات ، لا لأجل الاعراض عن السند لخلل فيه ، فان الاعراض إنما يوجب الوهن إذا كان الخبر في نفسه صالحاً للعمل ، لسلامته عن المعارض كما لا يخفى .


   فالصحيح في طريقة الجمع : حمل الصحاح المتقدّمة(1) على صدورها تقية ، لموافقتها للعامة ، فيرجّح صحيح زرارة عليها بمخالفته لهم .


   مضافاً إلى موافقته لعموم السنة ، وهي الأخبار المانعة عن السجود على ما عدا الأرض ونباتها ، حيث إنّ القير ليس في شيء منهما كما عرفت ، فيجعل العموم مرجّحاً ثانياً للصحيح ، أو لا أقل من جعله مرجعاً بعد تساقط المتعارضين .


   فالأقوى عدم جواز السجود على القير والزفت كما عليه المشهور بل لم ينقل الخلاف عن أحد ، استناداً - بعد العمومات - إلى صحيح زرارة ، بعد دفع معارضه ، المؤيد برواية محمد بن عمرو بن سعيد المتقدمة(2) .


   (1) أمّا الرماد ، فلا شك في عدم جواز السجود عليه ، فانّ أصله وإن كان 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) في ص 143 .


(2) في ص 144 .


ــ[147]ــ


من النبات كالخشب ، والمادة المشتركة المعبّر عنها بالهيولى وإن كانت محفوظة ، إلا أنّه قد استحال وتبدلت صورته النوعية وانتقل إلى حقيقة اُخرى ، فهو بالفعل مباين مع أصله ذاتاً وصفة ، ولذا لو كان نجساً سابقاً يحكم بطهارته من جهة الاستحالة ، لانعدام الموضوع السابق وحدوث موضوع جديد ، فلا يصدق عليه فعلا عنوان الأرض ولا نبتها ، فيشمله عموم المنع ، وهذا ظاهر جداً .


   وأما الفحم ، فهو وإن كان يفترق عن الرماد في عدم تحقق الاستحالة في مورده ولذا لا يحكم بطهارة الحطب المتنجس بصيرورته فحماً لعدم تغيّره عما هو عليه بحسب الذات كما في الرماد ، إلا أنه مع ذلك لا يصح السجود عليه ، لتغيّر وصفه المقوّم لعدّه من النبات في نظر العرف .


   وبالجملة : تغيّر الوصف العنواني لا يستوجب تبدّلا في الصورة النوعية وانقلاباً في الذات والماهية الذي هو مناط الاستحالة ، ولذا لا يطهر الماء المتنجس بصيرورته ثلجاً ، فانه ماء منجمد لا حقيقة اُخرى ، فالذات باقية غايته أنّ صفة الميعان المقوّمة لهذا العنوان قد تغيّرت وتبدّلت ، ولذا ترتفع الأحكام المترتبة على العنوان بزواله ، كالاعتصام المترتب على الكر من الماء ، فانّ موضع الملاقاة ينفعل عند صيرورة الكرّ منه ثلجاً ، لعدم صدق الماء حينئذ عنواناً وإن لم ينعدم ذاتاً .


   وعليه فلا منافاة بين بقاء النجاسة وعدم جواز السجود عند صيرورة الحطب فحماً ، إذ العبرة في الأوّل ببقاء الذات في نظر العرف وعدم التبدل إلى حقيقة اُخرى ، فلا يحكم بالطهارة إلا عند الاستحالة وانقلاب الموضوع ذاتاً وصفة ، بحيث يعدّ موضوعاً جديداً مبايناً مع أصله ، وليس الفحم كذلك ، لبقاء ذات الحطب بحاله ، فانه خشب محترق . وأمّا في الثاني فمناطه تبدل وصفه المقوّم ، وحيث إنّ الفحم لا يتصف فعلا بصفة الحطبيّة لا يعدّ من النبات ، وإن كانت الذات باقية فلا يصح السجود عليه .


ــ[148]ــ


ويجوز السجود على جميع الأحجار إذا لم تكن من المعادن(1) .


   [1349] مسألة 1 : لا يجوز السجود((1)) في حال الاختيار على الخزف والآجر والنورة والجص المطبوخين ، وقبل الطبخ لا بأس به(2) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) قد عرفت أنّ المدار على صدق اسم الأرض ، والمعدنية لا تنافي الصدق المزبور .


   (2) منع (قدس سره) عن السجود على الخزف والآجر ، وكذا النورة والجص المطبوخين دون غير المطبوخ .


   أمّا الجواز في غير المطبوخ منهما فلا غبار عليه ، فانّ أرض الجص وحجر النورة قسم من الأحجار والأراضي ، فلا فرق بينهما وبين غيرهما في اشتراك الجميع في صدق اسم الأرض ، ومجرد الانتفاع الخاص منهما المفقود في غيرهما لا يوجب سلب العنوان ولا يخرجهما عن صدق اسم الأرض ، فيشملهما الاطلاق ، وهذا ظاهر .


   وأمّا هما بعد الطبخ ، وكذا الخزف والآجر ، فالظاهر أيضاً جواز السجود على الجميع ، فانّ عروض الطبخ لا يستوجب الخروج عن صدق اسم الأرض ، غايته أنّه حجر محترق أو طين محترق قد تغيّر بالعلاج بعض أوصافه ، فهو كاللحم المطبوخ ، فكما أنّ الطبخ لا يغيّر حقيقة اللحم ولا يوجب سلب الاسم ، فكذا الطبخ العارض على هذه الاُمور .


   وبالجملة : فصدق عنوان الأرضية المأخوذ موضوعاً لجواز السجود على هذه الاُمور ، وصدقه على غيرها كالتراب وسائر الأحجار كالصخر ونحوه على حدّ سواء فيشمله الاطلاق ، وعليه فجواز السجود عليها على طبق القاعدة .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) على الأحوط ، والأظهر جواز السجود على الجميع .


ــ[149]ــ


   [1350] مسألة 2 : لا يجوز السجود على البلّور والزجاجة(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   ويدل عليه مضافاً إلى ذلك : صحيح الحسن بن محبوب قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجص توقد عليه العذرة وعظام الموتى ثم يجصّص به المسجد أيسجد عليه ؟ فكتب (عليه السلام) إلىّ بخطه : أن الماء والنار قد طهّراه»(1) فان التعليل المذكور في الجواب وإن كان لا يخلو من غموض وإشكال كما لا يخفى ، وسنتعرض له إن شاء الله تعالى مستقصى في مبحث السجود عند التكلّم عن اعتبار طهارة المسجد(2) لانحصار المستند في هذه الصحيحة ، إلا أنّها صريحة في مفروغية جواز السجود على الجص في حد نفسه ، وأنّ ذلك كان أمراً مغروساً في ذهن السائل ، وقد أقرّه الامام (عليه السلام) على ذلك ، وإنّما دعته إلى السؤال شبهة النجاسة ، فغايته إجمال الجواب عن هذه الشبهة ، وهو غير قادح في ظهورها ، بل صراحتها فيما نحن بصدده من صلاحية الجص للسجود عليه في حدّ نفسه كما هو ظاهر .


   (1) لعدم كونهما من الأرض ولا من نباتها ، وإن كانت مادتهما متخذة من الأرض من رمل ونحوه ، لكنها قد استحالت وتبدّلت صورتها النوعية ، فهما بالفعل متباينان مع الأصل خارجان عن مفهوم الأرض .


   ويؤيد الحكم في الزجاج : خبر محمد بن الحسين : «إنَّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج ، قال : فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض ، وما كان لي أن أسأل عنه ، قال : فكتب إليّ : لا تصلّ على الزجاج ، وإن حدثتك نفسك أنّهُ مما أنبتت الأرض ، ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان»(3) .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 358 / أبواب ما يسجد عليه ب 10 ح 1.


(2) قبل المسألة [1609] التاسع من واجبات السجود .


(3) الوسائل 5 : 360 / أبواب ما يسجد عليه ب 12 ح 1 .


ــ[150]ــ


   ورواه في كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبدالله بن جعفر الحميري في دلائل علي بن محمد العسكري (عليه السلام) قال : وكتب إليه محمد بن الحسن ابن مصعب يسأله ، وذكر مثله إلا أنّه قال : «فانه من الرمل والملح ، والملح سبخ»(1) .


   ورواه الصدوق في العلل بسنده عن السياري مثله(2) .


   ويقع الكلام في الرواية تارة من حيث السند واُخرى من ناحية الدلالة .


   أما السند : فالظاهر أنه مرسل ، وإن عبّر عنه غير واحد بالصحيح ، لأنّ محمد بن الحسين يروي أنّ بعض الأصحاب كاتب الهادي (عليه السلام) وهو مجهول ، وهذا بمجرّده وإن لم يكن قادحاً إذا كان محمد بن الحسين بنفسه شاهد خط الامام (عليه السلام) فحكى كتابته وروى عن شخصه (عليه السلام) بلا واسطة ، وإن كان المكاتب مجهولا ، لكنه في المقام ليس كذلك لأنّ مرجع الضمير في قوله : «قال : فكتب إلي» هو بعض الأصحاب(3) فهو الذي شاهد الخط الشريف دون الراوي عنه ، فمحمد بن الحسين لم يشهد بمقتضى حكايته إلا بأصل المكاتبة لا بكتابة الامام (عليه السلام) وإنما يرويها عن مكاتب مجهول لا نعرفه ، فيكون في حكم المرسل .


   نعم ، قد صرح باسم المكاتب في رواية كشف الغمة نقلا عن كتاب الدلائل وأنه محمد بن الحسن بن مصعب كما عرفت ، إلا أنّ طرق مؤلف كشف الغمة إلى كتاب الدلائل غير معتبر . مضافاً إلى أنّ الرجل بنفسه مجهول . وأما الطريق 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) كشف الغمة 2 : 384 .


(2) علل الشرائع : 342/5 الباب 42 .


(3) هذا بناء على نسخة الكافي [الكافي 3 : 332/14] وأمّا في التهذيب فالعبارة هكذا :  «قال : فكتب إليه» ج 2 ص 304 وبناء عليها فالمرجع هو محمد بن الحسين ، ومعه لا تكون الرواية مرسلة ، لكنّ الشأن في صحتها ، وحيث لم تثبت فتكون مرددة بين الارسال
   والاسناد فلا تصلح للاعتماد .


ــ[151]ــ


   [1351] مسألة 3 : يجوز على الطين الأرمني والمختوم(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الثالث الذي ذكره الصدوق - كما مرّ - فهو أيضاً ضعيف من أجل السياري ، وبالجملة : فالرواية ضعيفة السند بطرقها .


   وأمّا الدلالة : فالمراد بقوله (عليه السلام) : «وهما ممسوخان» استحالة الملح والرمل وخروجهما عن حقيقتهما ، إما بمجرد المزج المحقق لحدوث طبيعة ثالثة أو عند صيرورتهما زجاجاً .


   وعلى أىّ حال فالزجاجة فعلا ليست من الأرض وإن كان بعض موادّها وهو الرمل أرضاً بحسب الأصل ، كما أنّها ليست من نباتها لا قبل الاستحالة ولا بعدها ، ولا ندري ما ذا تخيله السائل حيث حدثته نفسه أنّه مما أنبتت الأرض .


   وأما قوله في رواية كشف الغمة «فانه من الرمل والملح ، والملح سبخ» فالمراد أنّ الملح الذي هو من أجزاء الزجاج ليس من الأرض ولا النبات ، حيث إنّه سبخ ، وهو عبارة عما يعلو على الأرض عند نزيز المياه(1) المعبّر عنه بالفارسية بـ (شوره) فهو وإن كان يخرج من الأرض عند كونها ذات نزّ ، ولعله بهذا الاعتبار تخيل السائل أنّه مما أنبتت الأرض ، لكنه في الحقيقة ليس من الأرض ولا نبتها ، فلا يجوز السجود على الزجاج المتخذ منه ، وكيف كان فالرواية صريحة في المنع عن السجود فتكون مؤيّدةً للبطلان .


   (1) الأوّل طين أحمر ينتفع به ، والثاني طين أبيض كان يستعمل سابقاً - وقد أدركناه - بدل الصابون ينظّف به البدن . وعلى أيّ حال فهما كسائر أقسام الطين من مصاديق الأرض ، واللون الخاص أو الانتفاع المخصوص لا يخرجهما عن صدق اسم الأرض .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) القاموس المحيط 1 : 261 .


ــ[152]ــ


   [1352] مسألة 4 : في جواز السجدة على العقاقير والأدوية مثل لسان الثور وعنب الثعلب والخبة وأصل السوس وأصل الهندباء إشكال((1)) ، بل المنع لا يخلو عن قوّة . نعم لا بأس بما لا يؤكل منها شائعاً ولو في حال المرض ، وإن كان يؤكل نادراً عند المخمصة أو مثلها(1) .


   [1353] مسألة 5 : لا بأس بالسجود على مأكولات الحيوانات كالتبن والعلف(2) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) استشكل بل منع (قدس سره) عن السجود على الأدوية والعقاقير التي ذكرها في المتن ، وكأنّه لصدق المأكول عليها ولو في حال التداوي .


   لكن الظاهر الجواز ، لعدم كون هذه الأمور بنفسها من المأكول ، بل إنَّ بعضها كأصل السوس مثل الخشب غير قابل للأكل أبداً . وإنّما ينتفع بها بصبّ الماء عليها وغليانه ، فيتأثر منها ويكتسب من مجاورتها رائحة خاصة وأثراً مخصوصاً ، فيشرب نفس الماء ويتداوى به ، وتطرح تلك الأجرام بعد ما صارت كالثفل كما في الشاي ، فالمأكول ليس هذه الأدوية بل الماء بعد إجراء العملية ، فهي من مصاديق النبات غير المأكول ، فيعمها دليل جواز السجود عليها .


   وما ذكره في المتن من نفي البأس عمّا لا يؤكل منها شائعاً ولو حال المرض ، وإن كان ربما يؤكل نادراً كما في المخمصة والاضطرار ونحوهما وإن كان صواباً ، لانصراف المأكول المأخوذ موضوعاً للمنع إلى الشائع المتعارف ، فلا عبرة بالشاذ النادر الذي يتفق أحياناً لجهة عارضية كما لا يخفى ، لكنّه أجنبىّ عما نحن فيه وغير مرتبط بالمقام بعد ما عرفت من عدم كون هذه الأمور مأكولا أصلا لا شائعاً ولا نادراً .


   (2) لانصراف قوله (عليه السلام) : «إلا ما اُكل» إلى مأكول الانسان بلا 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) والأظهر هو الجواز .


ــ[153]ــ


   [1354] مسألة 6 : لا يجوز السجود((1)) على ورق الشاي ولا على القهوة وفي جوازها على الترياك إشكال (1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


إشكال ، خصوصاً بعد ملاحظة اقترانه بما لبس . ويؤكده : قوله (عليه السلام) في صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة في صدر المبحث(2) «لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون»(3) .


   (1) منع (قدس سره) عن السجود على ورق الشاي والقهوة ، واستشكل في الترياك .


   أما في القهوة ، فالمنع في محلّه ، فانّها بنفسها بعد سحقها وصنعها بالكيفية الخاصة تؤكل إما منفرداً أو مع السكر ، فيصدق عليها أنّها نبات مأكول ، الموضوع لعدم جواز السجود .


   ومنه تعرف أنّ منعه في الشاي في غير محله ، لافتراقه عن القهوة في عدم كونه مأكولا بنفسه ، بل يهدر فيصبّ عليه الماء وبعد التأثر منه واكتساب اللون والرائحة الخاصة الحاصلين من المجاورة يشرب ويطرح الثفل كما تقدّم في العقاقير والأدوية ، من دون فرق بين الشاي الأخضر المتداول استعماله في بلاد أفغان وپاكستان وفي بعض نقاط إيران ، وبين الأسود منه الرائج عندنا .


   وبالجملة : ورق الشاي لا يعدّ من المأكول لا بحسب استعداده في نفسه ولا باعتبار إعداد الناس لذلك ، فلا يقاس بورق القهوة للفرق في كيفية الاستعمال كما عرفت . فالأقوى جواز السجود عليه ما لم يلوّن كثيراً بمثابة يعدّ اللون جرماً حائلا بينه وبين الجبهة ، فهو في حدّ نفسه لابأس بالسجود عليه .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الأظهر جوازه على ورق الشاي ، وعدم جوازه على القهوة والترياك .


(2) في ص 129 .


(3) الوسائل 5 : 343 / أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 .


ــ[154]ــ


   [1355] مسألة 7 : لا يجوز على الجوز واللوز(1) ، نعم يجوز على قشرهما بعد الانفصال((1)) ، وكذا نوى المشمش والبندق والفستق .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   وأما الترياك ، فليس الوجه في استشكاله (قدس سره) احتمال كونه من المأكول ، لعدم كونه منه قطعاً ، كيف وهو من السمومات ، وأكل القليل منه أحياناً كحبّة وأقل لأجل التداوي لا يجعله منه ، واعتياد الشاذ من أفراد الناس بأكله لا يوجب عدّه منه ، فانّ بعض الدراويش معتادون بأكل سمّ الفار كما قيل ، مع أنّه ليس من المأكول قطعاً ، كما أنّ بعض الناس معتادون بأكل الطين أو الجص مع أنّهما لا يعدّان بذلك من المأكول كي لا يصح السجود عليهما بالضرورة . فليس هذا الاحتمال منشأ للاشكال .


   بل الوجه فيه : احتمال عدم كونه من النبات ، وهو المتعيّن ، فانّ ما تنبته الأرض إنما هو الخشخاش ، وأمّا الترياك فهو شيء يتخذ منه شبه العصير ، فتستخرج من الخشخاش مادة تشبه الحليب وتغلى ثم تجرى عليها عملية خاصة فتتشكل منها هذه الطبيعة التي لا يصدق عليها فعلا
لا عنوان الأرض ولا نباتها ، وإن كان أصلها متخذاً من الثاني كما في بقية الأمور المستحالة من أحدهما . وعلى هذا فينبغي القطع بعدم جواز السجود عليه .


   والمتحصّل مما ذكرناه : جواز السجود على ورق الشاي لكونه نباتاً غير مأكول ، وعدم جوازه على القهوة والترياك . أمّا الأوّل ، فلكونه مما يؤكل ، وأمّا الثاني ، فلعدم كونه من الأرض ولا من نبتها .


   (1) الوجه في المنع أحد أمرين :


   الأوّل : عدّ القشر من توابع اللب عرفاً حال الاتصال ، فكأنّهما من حيث المجموع يعدّان من المأكول في نظر العرف ، وإن كان أحدهما بمنزلة الوعاء 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) لا يبعد الجواز حال الاتصال أيضاً ، وكذا الحال في النوى ، والاحتياط لا ينبغي تركه .


ــ[155]ــ


للآخر ، فيصدق السجود على المأكول وإن لم تلاصق الجبهة إلا القشر الذي ليس منه لو لا التبعية ، ولذا يجوز السجود عليه حال الانفصال بلا إشكال .


   لكنه كما ترى ممنوع جداً ، فانّ القشر في مثل اللوز أو الجوز موجود مستقل بحياله في مقابل اللب ، حتى في نظر العرف بحيث لو سئلوا عمّا هو المأكول من هذا المجموع لما ترددوا في أن القشر الذي ربما يكون في الصلابة أشدّ من الخشب ليس منه ، وإنما المأكول اللب فقط والتبعية في الوجود لا تستدعي التبعية في صدق المأكولية ولو بضرب من المسامحة كما لا يخفى .


   نعم ، لو سلّمنا التبعية فحكمنا بالمنع حال الاتصال لا مجال له بعد الانفصال بتوهم الاستصحاب ، إذ فيه ـ بعد الغض عن عدم جريانه في الشبهات الحكمية ـ أنّ الموضوع متعدد ، فانّ القشر إنّما كان يمنع عن السجود عليه لكونه من مصاديق المأكول ولو تبعاً على الفرض والا فهو من حيث إنّه قشر لم يكن موضوعاً للحكم قطعاً ، وبعد الانفصال قد زال العنوان وارتفع الموضوع لعدم كونه حينئذ مصداقاً للمأكول حتى تبعاً ، فاثبات الحكم بعدئذ من إسرائه من موضوع إلى موضوع آخر كما هو واضح .


   الثاني : التمسك باطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة قريباً : «ولا على شيء من ثمار الارض»(1) بدعوى صدق الثمر على كل من القشر واللب ، فيشمله إطلاق المنع وإن لم يكن من المأكول .


 وفيه : أنّ لازم ذلك المنع عن القشر حتى بعد الانفصال ، بل عن عدّة من الثمار غير المأكولة كثمر الشوك ونحوه ، مع أن الأصحاب لم يلتزموا بذلك ، ولا ينبغي أن يلتزموا به لتقييد موضوع المنع في غير واحد من الأخبار بالمأكول بقوله (عليه السلام) : «إلا ما اُكل أو لبس»(2) . فلابد من تقييد الثمر 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) في ص 144 .


(2) الوسائل 5 : 343 / أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 1 .


ــ[156]ــ


   [1356] مسألة 8 : يجوز على نخالة الحنطة((1)) والشعير وقشر الاُرز(1) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


في هذه الصحيحة بذلك غير الصادق على القشر كما عرفت ، وغاية ما هناك أن يلتزم بكون النسبة بينهما عموماً من وجه ، لأنّ الصحيحة دلّت على المنع عن الثمر مأكولا كان أم لا ، وتلك الأخبار دلّت على الجواز في النبات غير المأكول ثمراً كان كالشوك وقشر الجوز واللوز ، أم غير ثمر كالحشيش ، فيتعارضان في مادة الاجتماع وهو الثمر غير المأكول كقشر الجوز واللوز ، وبعد التساقط يرجع إلى عموم ما دلّ على جواز السجود على الأرض وما أنبتته ، ولا ريب أنّ القشر من نبات الأرض .


   ومع الغض عنه والانتهاء إلى الأصل العملي فالمرجع أصالة البراءة عن تقيد المسجد بعدم كونه من القشر المشتمل على لبّ الجوز أو اللوز ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المتيقن فيدفع بالأصل كما مرّ التعرّض له سابقاً(2) .


   فتحصل : أن الأقوى جواز السجود على القشر المزبور ، من غير فرق بين حالتي الاتصال والانفصال ، وإن كان الأحوط تركه في الأوّل .


   ومن جميع ما ذكرناه يظهر الحال في نوى المشمش والبندق والفستق فلاحظ .


   (1) هذا مشكل جداً ، لتعارف أكلها ولو تبعاً ، بل قلّما يتفق خلوص دقيق الحنطة والشعير عن النخالة ، وكذا الاُرز عن القشر ، بل إنّ البشر كان مدة مديدة من الزمن يأكل هذه الحبوب بقشورها قبل اختراع المطاحن والمكائن ، وعدم كونها مستقلة في الأكل ومقصودة بالأصل لا يقدح ، فانّ كثيراً من النباتات المأكولة لا تكاد تؤكل مستقلة ، بل بعد الضم بشيء آخر من خبز ونحوه كما في اليقطين والباذنجان والفلفل ونحوها مما لا شك في عدم 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) جواز السجود على المذكورات لا يخلو من إشكال .


(2) في ص 138 ، 139 .


ــ[157]ــ


   [1357 ]مسألة 9 : لا بأس بالسجدة على نوى التمر ، وكذا على ورق الأشجار وقشورها ، وكذا سعف النخل(1) .


   [1358] مسألة 10 : لا بأس بالسجدة على ورق العنب بعد اليبس ، وقبله مشكل((1))(2) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


جواز السجود عليها .


   فالأقوى عدم جواز السجود على النخالة وقشر الاُرز لعدّها من المأكول .


   (1) لعدّ الجميع من نبات الأرض غير المأكول كما هو ظاهر .


   (2) قد عرفت أنّ الأخبار قد دلّت على جواز السجود على الأرض ونباتها إلا ما اُكل أو لبس . والمراد بالاستثناء ليس ما اُكل أو لبس بشخصه ، فانّه وإن أمكن فرضه في الملبوس ، لكنه غير ممكن في المأكول ، إذ لو فرض أكل شخصه خارجاً فقد انعدم فلا موضوع كي يمنع عن السجود عليه .


   كما أنّ المراد ليس ما اُكل فرد من نوعه أو جنسه في الخارج ، للقطع بعدم مدخلية الأكل الخارجي في الحكم وإلا لانتقض ببعض الأثمار المستحدثة التي لم يكن منها عين ولا أثر في عصر صدور هذه الأخبار كالطماطة والبرتقال ، أو لو فرض العثور على بعض الفواكه في بعض الجزر البعيدة التي يقطع بعدم وصول البشر إليها ، وعدم أكل أحد منها لا شخصاً ولا نوعاً ، فانه لا ريب في عدم جواز السجود عليها حتى أوّل زمان الاستكشاف ، مع أنّ فرداً من هذه الطبيعة لم يكن مأكولا بعد في الخارج حسب الفرض .


   فلا مناص من أن يكون المراد ما هو قابل للأكل في حد ذاته ويعدّ من مأكول الانسان ، سواء أتحقق الأكل الخارجي لفرد منه أم لا ، بحيث لو قسّم نبات الأرض إلى المأكول وغيره وسئل عن أنّ هذا النبات من أيّ القسمين لاُجيب بأنه من قسم المأكول .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) هذا في أوان أكله ، وأمّا بعده فلا مانع من السجود عليه .


ــ[158]ــ


   فالمراد مما اُكل في هذه الأخبار ما كان قابلا وصالحاً في حدّ نفسه للأكل ، سواء أتوقف ذلك على العلاج والاتيان بمقدمات من طبخ ونحوه أم لا ، لصدق القابلية على التقديرين كما لا يخفى .


   ويكشف عن هذا التعميم عطف الملبوس على المأكول في هذه الأخبار ، فانّ المأكول من النباتات وإن لم يحتج بعض مصاديقه إلى العلاج كأصناف الفواكه ، إلا أنّ الملبوس منها يحتاج إليه دائماً من نسج أو غزل ونحوهما ، فوحدة السياق تكشف عن أنّ المراد ما هو الأعم من القسمين .


   ثم إنّ القابلية المزبورة التي هي الموضوع للمنع في هذه الأخبار - بالبيان المتقدم- بما أنّها من العناوين الاشتقاقية ، والظاهر من أمثالها لزوم التلبس بالمبدأ والاتّصاف به فعلا دون ما كان أو سيكون ، فيدور الحكم نفياً وإثباتاً حدوثاً وبقاءً مدار العنوان الاشتقاقي والوصف العنواني ، فما كان بالفعل واجداً لقابلية الأكل أو اللبس - ولو بمعونة العلاج كما عرفت - لم يجز السجود عليه ، وما كان فاقداً لها سواء اتصف بها سابقاً ثم زال أم لا ، وسواء يتصف به لاحقاً أم لا ، جاز السجود عليه ، فالمنع يدور مدار التلبس بالقابلية فعلا كما هو الشأن في بقية العناوين الاشتقاقية المأخوذة موضوعاً لحكم من الأحكام كعدالة زيد ، وعلم عمرو ، وكرية الماء وأمثالها .


   إذا تحقّقتَ المراد من الاستثناء في هذه الأخبار ، تعرف أنّه لا ينبغي الاشكال في عدم جواز السجود على ورق العنب حال كونه رطباً ، لصلاحيته حينئذ للأكل ولو بمعونة الطبخ بحيث يعدّ فعلا من قسم المأكولات .


   كما لا ينبغي الاشكال في الجواز بعد اليبس ، لخروجه بعدئذ عن تلك الصلاحية والاستعداد ، فهو بالفعل غير قابل للأكل في حدّ نفسه وإن كان قابلا له سابقاً ، وقد عرفت آنفاً دوران الحكم مدار العنوان الاشتقاقي حدوثاً وبقاءً ، بل الحال كذلك قبيل اليبس وأواخر حالات رطوبته بحيث 


ــ[159]ــ


زالت عنه تلك الطراوة فصار خشناً جداً ، فانه أيضاً غير قابل للأكل فعلا ، لصيرورته كالحشيش لا يأكله إلا الحيوان . وكذا الحال في بعض أقسام التمر الذي يخرج بعد اليبس عن قابلية الأكل ولا يعدّ فعلا من مأكول الانسان ، لصيرورته كالخشب كما تعرّضوا له في بحث الزكاة ، فيجوز السجود على جميع ذلك .


   هذا فيما إذا كان عدم القابلية من حيث المنتهى بحيث كان الشيء في نفسه قابلا للأكل فانتهى أمره إلى زوال القابلية كورق العنب بعد اليبس وكالتمر كما عرفت .


   وأما إذا كان ذلك من حيث المبدأ عكس الفرض المزبور ، بأن لم يكن في بدء أمره قابلا للأكل ثم يصير كذلك كالثمرة قبل أوان أكلها التي تعرض لها الماتن في المسألة 13 الآتية ، فقد منع (قدس سره) عن السجود عليه ، ولعلّ نظره الشريف إلى أن الممنوع ما كان قابلا للأكل ولو بالعلاج - كما مرّ - الذي لا فرق فيه بين مثل الطبخ وبين النضج بالشمس المتوقف على مرور الزمان ، فالقابلية متحققة في كلتا الصورتين .


   وهذا كما ترى مشكل جداً بل ممنوع ، فانّا وإن عممنا القابلية لما يحتاج إلى العلاج كما عرفت ، إلا أنّه فرق واضح بين ما إذا كانت المعالجة متوقفة على مقدّمات اختيارية مثل الطبخ ونحوه ، وما إذا توقفت على مقدّمات خارجة عن تحت الاختيار كمرور الزمان ومضي وقت يصلح فيه الثمر للنضج ، فانّ القابلية متحققة في الأوّل بالفعل وإن توقف الأكل الخارجي على التصدي لمقدمات ، بخلافه في الثاني فانّ القابلية لم توجد بعد ولم تتحقق ، لقصور في المقتضي . نعم سيصير قابلا بعد حين من دون دخل لاختيار المكلف فيه قبال ما لا يصير كذلك أبداً كالحنظل ، فالتمر مثلا حينما كان بسراً وقبل أن يصير بلحاً - وهو المسمى عند العامة بالچمري - لا يعدّ من المأكولات ، لفقده فعلا صلاحية الأكل ، وإنما يستعد له فيما بعد ، فالقابلية مفقودة بالفعل 


ــ[160]ــ


   [1359] مسألة 11 : الذي يؤكل في بعض الأوقات دون بعض لا يجوز السجود عليه مطلقاً ، وكذا إذا كان مأكولا في بعض البلدان دون بعض(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عن هذا النبات ، وأمّا الحنطة مثلا الموقوف أكلها على الطبخ فهي بالفعل متصفة بهذه القابلية ، وقد عرفت دوران الحكم مدار هذا العنوان حدوثاً وبقاءً .


   نعم ، لو كان الموضوع للمنع مطلق الثمر كما يقتضيه إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة : «ولا على شيء من ثمار الأرض»(1) اتجه المنع في المقام ، لكن عرفت لزوم تقييده بما دلّ على اختصاص الموضوع بالمأكول ، وأنّه مع الغضّ وتسليم كون النسبة عموماً من وجه فالمرجع بعد التساقط عموم ما دلّ على جواز السجود على مطلق الأرض ونباتها ، ولا أقل من الرجوع إلى أصالة البراءة عن التقيد الزائد على المقدار المعلوم كما تقدم كل ذلك قريباً فلاحظ(2) .


   فما أفاده الماتن من المنع عن الثمار قبل أوان أكلها وإن كان أحوط لكنّ الأظهر خلافه كما عرفت .


   (1) أمّا ما كان مأكولا في بعض البلدان دون بعض ، فلا ينبغي الاشكال في عدم جواز السجود عليه مطلقاً ، لصدق كونه من مأكول الانسان ولو بلحاظ طائفة منهم ، إذ لا يعتبر في صدق هذا العنوان كونه مأكولا لجميع البشر ، فالشلغم مثلا وإن تنفّر منه بعض الطباع بل لو لم يؤكل في بعض البلاد ، فانّه يعدّ من المأكول كالجراد الذي يتنفر عنه أكثر الطباع لكنه واجد لصفة المأكولية عند آخرين ، فاختلاف البلدان لا يؤثّر في الفرق .


   والسرّ أنّ الموضوع للحكم مجرد القابلية كما مرّ غير مرّة ، ويكفي في صدق هذا العنوان كونه مأكولا في بعض البلدان ويأكله بعض أفراد الانسان ، 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب 2 ح 1 .


(2) في ص 138 .


ــ[161]ــ


نعم لا يكتفى بالواحد والاثنين من الناس لانصراف النص عن مثله ، بل لا يصدق معه العنوان المزبور كما لا يخفى .


   وبالجملة : فاختلاف البلاد لا يؤثّر في المقام . نعم ربما يؤثر في بعض الأحكام كما في الشيء الذي ربما يعدّ من المكيل أو الموزون في بلد ويعدّ من المعدود في البلد الآخر ، فانّ كل بلد يلحقه حكمه في جريان الربا وعدمه لو بيع بمثله مع الزيادة .


   والفارق بين المثال وما نحن فيه : أنّ الموضوع هناك عنوان المكيل أو الموزون الظاهر في الفعلية والمفروض عدم صدقه في البلد الآخر .


   وأمّا في المقام فالموضوع القابلية للأكل المتحققة بتعارفه ولو عند بعض الطوائف كما عرفت .


   وأمّا ما يؤكل في بعض الأوقات دون بعض ، فان أراد (قدس سره) به مجرد الاختلاف في الزمان مع اتحاد المأكول بصفاته في الوقتين وعدم تغيره عمّا هو عليه بأن يؤكل في الصيف مثلا ولا يؤكل نفس ذلك الشيء في الشتاء ، فالمتجه - لو كان له مصداق - ما ذكره (قدس سره) من المنع مطلقاً ، لصدق القابلية للأكل التي هي الموضوع للحكم ولو بلحاظ الزمان الذي يؤكل ، نظير ما مرّ من الصدق المزبور بلحاظ بعض الأفراد .


   وإن أراد به فرض تغير الشيء في الوقتين واختلاف صفاته بخروجه عن قابلية الأكل في الزمان المتأخّر أو عروضها له ، فان كان من قبيل الأوّل كورق العنب بعد اليبس فقد تعرّض (قدس سره) له في المسألة السابقة وتقدّم حكمه(1) وإن كان من قبيل الثاني كالثمرة قبل أوان أكلها فسيتعرض له في المسألة 13 الآتية وقد تكلمنا حولها فيما مرّ(2) .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) في ص 157 .


(2) في ص 159 .


ــ[162]ــ


   [1360] مسألة 12 : يجوز السجود على الأوراد غير المأكولة(1) .


   [1361] مسألة 13 : لا يجوز السجود على الثمرة قبل أوان أكلها((1))(2) .


   [1362] مسألة 14 : يجوز السجود على الثمار غير المأكولة أصلا كالحنظل ونحوه(3) .


   [1363] مسألة 15 : لا بأس بالسجود على التنباك(4) .


   [1364] مسألة 16 : لا يجوز على النبات الذي ينبت على وجه الماء(5) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   وعليه فلا وجه لاستقلال هذا العنوان بالذكر وإفراده في مسألة مستقلة ، فانه بين ما مضى وما سيأتي .


   وعلى أىّ حال فلم يتضح المراد من هذه العبارة وهو (قدس سره) أعرف بما أراد فتدبر جيداً .


   (1) ووجهه ظاهر .


   (2) على الأحوط ، والأقوى جوازه ، وقد مرّ الكلام حولها في ذيل المسألة العاشرة فراجع .


   (3) قد ظهر حالها من مطاوي الأبحاث السابقة فلاحظ .


   (4) ولعلّ مراده (قدس سره) ما يعمّ التتن ، وكيف كان فهما ليسا من الملبوس ولا المأكول بل ولا المشروب ، وإنما يدخن بهما فلا مانع من السجود عليهما .


   (5) لا يخفى أنّ مقتضى الاطلاق في بعض النصوص جواز السجود على مطلق النبات من غير تقييد بالأرض ، كما في صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : قال : لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكل نبات إلا التمرة - كما في التهذيب - أو إلا الثمرة - كما في الفقيه(2) ـ .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) على الأحوط .


(2) الوسائل 5 : 345 / أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 9 ، لاحظ التهذيب 2 : 311/1262 ،   الفقيه 1 : 169 / 800 .


ــ[163]ــ


   وصحيحة الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ذكر أنّ رجلا أتى أبا جعفر (عليه السلام) وسأله عن السجود على البوريا والخصفة والنبات ، قال : نعم»(1) وهذه الرواية صحيحة السند ، إذ ليس في الطريق من يتأمل فيه عدا الحسين بن أبي العلاء الذي هو الحسين بن خالد . مع أنّ توثيقه يستفاد من كلام النجاشي حيث صرّح بأنّ الرجل كان أوجه من أخويه علي وعبد الحميد(2) ، وظاهره إرادة التفضيل في الحديث كما لا يخفى . وقد صرّح(3) أيضاً بوثاقة عبدالحميد(4) ، فيظهر أنّ الرجل كان أوثق من أخيه . على أنّه مذكور في أسانيد كامل الزيارات(5) . فلا ينبغي التأمل في صحة الرواية ، هذا .


   وبازاء هاتين الصحيحتين الأخبار الكثيرة - وقد تقدمت(6) - التي قيّد النبات فيها بالأرض ، وأنّه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض ، فيدور الأمر بين رفع اليد عن الاطلاق في تلك الصحيحتين وتقييده بنبات الأرض ، وبين حمل القيد في هذه الأخبار على الغالب ، وأنّ المراد مطلق النبات وإن نبت على وجه الماء ، فتقع المعارضة بين أصالة الاطلاق وأصالة ظهور القيد في القيدية ، وحيث لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيسقطان .


   وبعبارة اُخرى : حيث إنّ النسبة بين الطائفتين عموم من وجه ، لدلالة الاُولى على جواز السجود على مطلق النبات وإن لم يكن من الأرض ، ودلالة الثانية على عدم الجواز في غير الأرض ونباتها وإن نبتت على وجه الماء ، فيتعارضان في مادة الاجتماع ، وهي النبات على وجه الماء ، فيجوز 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 346 / أبواب ما يسجد عليه ب 1 ح 10 .


(2) رجال النجاشي : 52/117 .


(3) رجال النجاشي: 246/647.


(4) ولكنه (دام ظله) استظهر في المعجم 6 : 200/3276 أنّ الذي وثقه النجاشي رجل آخر غير عبدالحميد أخي الحسين بن أبى العلاء .


(5) لا عبرة به ، نعم قد وقع في اسناد تفسير القمي ، لاحظ المعجم 6 : 198/3276 .


(6) في ص 129 وما بعدها .


ــ[164]ــ


   [1365] مسألة 17 : يجوز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب مما ليس من الملابس المتعارفة ، وإن كان لا يخلو عن إشكال ، وكذا الثوب المتخذ من الخوص (1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بمقتضى الأول ، ولا يجوز بمقتضى الثاني ، وبما أنّه لا ترجيح لأحد الاصلين اللفظيين المزبورين على الآخر ، فيسقط كلا الدليلين ويرجع حينئذ إلى العام الفوق إن كان - ولم يكن في المقام كما لا يخفى - وإلا فالى الأصل العملي ومقتضاه أصالة البراءة عن تقييد المسجد بعدم كونه من نبات الماء ، للشك في هذا التقييد زائداً على المقدار المعلوم فيدفع بالأصل كما هو الشأن في الدوران بين الأقل والأكثر . وقد تقدم(1) نظيره عند الشك في جواز السجود على المعادن وعلى مطلق الثمار وإن لم تؤكل فلاحظ .


   هذا ما تقتضيه القاعدة التي نتيجتها جواز السجود على ما ينبت على وجه الماء .


   إلا أنّ الذي يهوّن الخطب أنّ الأمر لا ينتهي إلى المعارضة بين الطائفتين ، فانّ النبات كما يظهر بمراجعة اللغة(2) ويساعده العرف اسم لخصوص ما ينبت من الأرض ، فلا إطلاق في مفهومه لغة ولا عرفاً حتى يشمل النابت على وجه الماء ، وإنّما يطلق عليه توسّعاً ومجازاً بعلاقة المشاكلة والمشابهة ، وإلا فليس هو من حقيقة النبات في شيء .


   وعليه فلا تعارض بين الأخبار ، لتطابق الكل على عدم جواز السجود على غير الأرض ونباتها غير الصادق على نبات الماء . فالأقوى عدم جواز السجود عليه .


   (1) قد عرفت أنّ المراد بما اُكل أو لبس ما كان فيه استعداد الأكل أو 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) في ص 139 .


(2) لسان العرب 2 : 95 .


ــ[165]ــ


اللبس وقابليتهما ، بحيث يعدّان منفعة خاصة للشيء أو من منافعه البارزة المتعارفة .


   ومنه يظهر جواز السجود على القبقاب والنعل المتخذ من الخشب ، لا لعدم صدق اللبس وأنّه أشبه بالموطوء كما قيل ، إذ لا مساغ لانكار الصدق المزبور ، ولبس كل شيء بحسبه ، والضابط اشتمال الشيء وإحاطته على البدن ولو في الجملة كما في الخاتم ، ومن هنا لا ريب في عدم جواز اتخاذ القبقاب من الذهب للرجال ، لصدق لبس الذهب المحرّم عليهم بلا إشكال ، بل لعدم كون اللبس منفعة يختص بها الخشب ، ولا من منافعه البارزة بحيث يعدّ لدى العرف منفعة متعارفة له ، وصنع القبقاب منه أحياناً ولبسه ندرة لا يستوجب عدّ اللبس من منافعه الظاهرة كما لا يخفى ، وإلا لما جاز السجود على الخشب مطلقاً حتى قبل صنعه قبقاباً ولبسه .


   وبعبارة اُخرى : قد عرفت أنّ الأكل واللبس الخارجيين شخصاً أو نوعاً ليسا موضوعاً لعدم جواز السجود وأنّ الاستثناء في قوله : «إلا ما اُكل أو لبس» لا يراد به شيء منهما كما مرّ توضيحه(1) ، بل المراد ما كانت مادته قابلة لهما ولو بالعلاج بحيث يعدّان على الأقل من المنافع المتعارفة ، سواء أتحقق الأكل أو اللبس خارجاً أم لا . ولا ريب أنّ اللبس ليس من منافع الخشب المتعارفة وإن انتفع به منه أحياناً ، وإلا فلو عدّ من منافع هذه المادة لامتنع السجود عليه مطلقاً ، اتصفت بهيئة القبقاب وتحقق اللبس في الخارج أم لا ، إذ المدار على القابلية لا الفعلية كما عرفت ، وحيث إنّ التالي باطل جزماً فالملزوم مثله .


   ومنه يظهر الحال في الثوب المتخذ من الخوص من قلنسوة ونحوها ، فانه يجري فيه الكلام المتقدم بعينه فلاحظ .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) في ص 157 .


ــ[166]ــ


   [1366] مسألة 18 : الأحوط((1)) ترك السجود على القنّب(1) .


   [1367] مسألة 19 : لا يجوز السجود على القطن ، لكن يجوز على خشبه وورقه(2) .


   [1368] مسألة 20 : لا بأس بالسجود على قراب السيف والخنجر إذا كان من الخشب ، وإن كانا ملبوسين ، لعدم كونهما من الملابس المتعارفة(3) .


   [1369] مسألة 21 : يجوز السجود على قشر البطيخ والرقّي والرمّان بعد الانفصال على إشكال ، ولا يجوز على قشر الخيار والتفاح ونحوهما(4) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) بل هو الأقوى ، فانّه نبات تصلح مادته للبس ولو بالعلاج ، من غزل ونسج كما في القطن والكتان ، فيشمله الاستثناء في قوله : «إلا ما لبس» ، فتصنع منه الأقمشة مما يسمى اليوم بالشعري ، وكذا غيره ولا يختص به ، كما تصنع منه الخيوط والحبال قبل التلطيف واستخراج الخليط . والظاهر أنّ ما يسمى بالفنطاز متخذ من هذه المادة .


   وكيف ما كان فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز لكون اللبس من منافعه المتعارفة كما عرفت .


   (2) قد مرّ الكلام حول هذه المسأله في صدر المبحث(2) وعرفت أنّ الأخبار في القطن والكتّان وإن كانت متعارضة إلا أنّ الأخبار المجوّزة محمولة على التقية ، فالأقوى عدم جواز السجود عليهما ، نعم لا بأس بالسجود على الخشب والورق ، ووجهه ظاهر .


   (3) الحال فيه هو الحال في القبقاب بعينه الذي عرفت جواز السجود عليه ، فانّ ذلك كله من الملابس غير المتعارفة فلا يشمله الاستثناء في قوله : «إلا ما اُكل أو لبس» كما هو واضح .


   (4) لا ينبغي الاشكال في الجواز في مثل قشر البطيخ والرقي والرمان بعد 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) بل الأظهر ذلك .


(2) في ص 130 .


ــ[167]ــ


   [1370] مسألة 22 : يجوز السجود على القرطاس ، وإن كان متخذاً من القطن أو الصوف أو الابريسم والحرير وكان فيه شيء من النورة ، سواء كان أبيض أو مصبوغاً بلون أحمر أو أصفر أو أزرق أو مكتوباً عليه ، إن لم يكن مما له جرم حائل مما لا يجوز السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه ، وكذا لا بأس بالسجود على المراوح المصبوغة من غير جرم حائل (1) .


   [1371] مسألة 23 : إذا لم يكن عنده ما يصح السجود عليه من الأرض ، أو نباتها أو القرطاس، أو كان ولم يتمكن من السجود عليه لحرّ أو برد أو تقية أو غيرها، سجد على ثوبه((1)) القطن أو الكتّان (2) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الانفصال ، فانّ الحال فيها هو الحال في قشر اللوز والجوز بعده الذي عرفت جواز السجود عليه ، لعدم صلاحيته للأكل ، بل قد عرفت الجواز فيهما حتى حال الاتصال ، فكذا في المقام لوحدة المناط ، وإن لم يكن بذاك الوضوح .


   واحتمال التمسك بالاستصحاب - بناء على المنع - لما بعد الانفصال الذي لعله هو منشأ استشكال الماتن في المقام ، قدعرفت فساده هناك فلاحظ .


   وأما قشر الخيار والتفاح وكذا الباذنجان ، فحيث إنّه قابل للأكل ولو بالعلاج فالمنع عنه متعيّن .


   (1) تكلمنا حول هذه المسألة في صدر المبحث مستقصى(2) ، وعرفت أنّ الأقوى جواز السجود على القرطاس ، سواء اتخذ مما يصح السجود عليه أم لا ، لاطلاق النصوص ، نعم لو كانت عليه كتابة لها جرم حائل متخذ مما لا يصح السجود عليه كالمداد المتخذ من الدخان ونحوه لا يجوز السجود عليه كما تعرّض له في المتن .


   (2) يقع الكلام في جهتين :


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) لا يبعد جوازه على مطلق الثوب ، ولو كان من غير القطن والكتّان ، هذا في غير حال التقية ،  وأمّا فيها فيجوز السجود على كلّ ما يتحقق به التقية .


(2) في ص 134 .


ــ[168]ــ


   إحداهما : في جواز الانتقال حال الاضطرار - لفقد ما يصح السجود عليه ، أو عدم التمكن من استعماله لحرّ أو برد أو تقية - إلى ما لا يصح السجود عليه اختياراً ومشروعية البدل ولو في الجملة .


   الثانية : في ترتيب الأبدال بعضها على بعض ، وأنّ أياً منها يتقدم على الآخر .


   أمّا الجهة الأولى : فالظاهر أنّ ذلك مما لا خلاف فيه ، وتقتضيه جملة من النصوص فيها الصحيح والموثق :


   منها : رواية عيينة بيّاع القصب قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ فأكره أن اُصلي على الحصى ، فابسط ثوبي فاسجد عليه ، قال: نعم ، ليس به بأس»(1)، وهذا الرجل مذكور في الاستبصار بلفظ عيينة(2) كما ذكر وفي التهذيب بلفظ عتيبة(3) . والظاهر اتحادهما بقرينة اتحاد الراوي والمروي عنه كما استظهره في جامع الرواة(4) وأنّ الاختلاف من الناسخين . والمذكور في النجاشي(5) عتبة - من دون الياء -(6) ووثقه صريحاً ، فان كان الرجل هو عتبة الذي وثقه النجاشي كما هو الظاهر ، بل لعله المطمأن به ، كانت الرواية صحيحة ، وإلا فالسند مخدوش لجهالة غيره .


   هذا من حيث السند ، وأمّا الدلالة ، فقد يخدش فيها بكونها أجنبية عن محل الكلام ، إذ الغالب في مفروض السؤال تمكن السائل من السجود تحت السقف أو وضع شيء مما يصح السجود عليه على ثوبه من تراب أو خشب 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 350/ أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 1 .


(2) ، (3) الاستبصار 1 : 332/1248 ، التهذيب 2 : 306/1239 ، [ولكن الموجود في التهذيب المطبوع هو عُيينة] .


(4) جامع الرواة 1 : 532 ، 656 .


(5) رجال النجاشي 302/825 ، [والموجود في النسخة التي بأيدينا هو عُيينة] .


(6) يظهر من المعجم 12 : 112 / 7571 خلافه .


ــ[169]ــ


ونحوهما . على أنّه لو سلّم العجز فلم يفرض ضيق الوقت ، بل الظاهر سعته فله التأخير إلى أن يتمكن من التحصيل ولو بتخفيف حرارة الشمس كي يتمكن من السجود على الحصى ولو قبيل الغروب ، والمدار في العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل العجز المستوعب لمجموع الوقت المنفي في
الفرض .


   ويندفع : بأنّ الظاهر ولو بمعونة الغلبة أنّ مقصود السائل الدخول في مساجد العامة التي هي مواقع التقية ، ولا ريب أن الإعراض عن ذاك المكان أو وضع شيء ممّا يصحّ السجود عليه على الثوب مخالف للتقية . وأما التأخير إلى آونة اُخرى ترتفع معها التقية فغير لازم ، إذ العبرة فيها بالاضطرار حين العمل لا في مجموع الوقت كما تعرّضنا له في مبحث التقية(1) فالرواية تنطبق على محل الكلام وتعدّ من أدلّة المقام .


   ومنها : صحيحة القاسم بن الفضيل قال : «قلت للرضا (عليه السلام) : جعلت فداك ، الرجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد ، قال : لا بأس به»(2) .


   وصحيحة أحمد بن عمر قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كم قميصه من أذى الحرّ والبرد أو على ردائه إذا كان تحته مسح أو غيره مما لا يسجد عليه ، فقال : لا بأس به»(3) .


   وصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال : «كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتقي به وجهه من الحرّ والبرد ومن الشيء يكره السجود عليه ؟ فقال : نعم لا بأس به»(4) .


   ولا يقدح اشتمال سند الروايتين الأخيرتين على عبّاد بن سليمان المهمل في كتب الرجال ، لوجوده في أسانيد كامل الزيارات ، وقد عرفت غير مرّة 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) شرح العروة 5 : 267 .


(2) ، (3) ، (4) الوسائل 5 : 350 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 2 ، 3 ، 4 .


ــ[170]ــ


ثبوت وثاقة من كان في طريق هذا الكتاب ما لم يكن معارضاً بتضعيف مثل النجاشي ونحوه .


   نعم ، من لا يعتمد على التوثيق من هذا الطريق كانت الروايتان ضعيفتين عنده لمكان الرجل ، فما في بعض الكلمات من التعبير عن الأخيرة بالصحيح من دون الاعتماد على هذا الطريق ، ليس على ما ينبغي .


   هذه هي الأخبار المعتبرة الواردة في المقام ، ومقتضى الاطلاق فيها عدم الفرق في الثوب بين المتخذ من القطن أو الكتّان وما اتخذ من غيرهما من صوف أو شعر ونحوهما .


   وقد يدعى تقييدها بالأوّلين ، استناداً إلى صحيحة منصور بن حازم عن غير واحد من أصحابنا قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه ؟ قال : لا ، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً»(1) .


   وفيه : أنّها ليست مما نحن فيه ، إذ لم يفرض فيها استيعاب الثلج لتمام الأرض بحيث لم يوجد مكان فارغ يصح السجود عليه ، بل غايته أنَّ الأرض باردة وأنّه يكون فيها الثلج ، ومجرد كونه فيها لا يقتضي الاستيعاب .


   وعليه فيكون حاصل السؤال : أنا نكون في أرض بعض مواضعها ثلج ، فهل يجوز السجود عليه أم يجب اختيار الموضع الفارغ عنه والتصدي لتحصيله كي يقع السجود على نفس الأرض ؟ فأجاب (عليه السلام) بعدم الجواز ، وأنّه يجزئه أن يجعل بينه وبين الثلج شيئاً من القطن أو الكتّان .


 وعلى هذا فتعدّ الصحيحة من الأخبار الدالة على جواز السجود على القطن والكتّان اختياراً ، التي تقدم(2) لزوم حملها على التقيّة ، فلتحمل هذه أيضاً 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 / 351 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 7 .


(2) في ص 131 .


ــ[171]ــ


وإن لم يكن سجد على المعادن((1)) أو ظهر كفه ، والأحوط تقديم الأوّل(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


عليها ، فهي أجنبية عما نحن فيه ، فيبقى الاطلاق في تلك الأخبار على حاله فليتأمل . فما صنعه في المتن من تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان في غير محلّه .


   (1) هذه هي الجهة الثانية ، وقد ظهر لك مما سبق أنّ البدل الاضطراري الأوّل هو الثوب مطلقاً ، فهو مقدّم على غيره .


   ثم إنّه بعد العجز عنه فما هي الوظيفة حينئذ ؟ ذكر في المتن أنّه يتخير بين السجود على المعادن أو على ظهر كفه ، وأفاد (قدس سره) أنّ الأحوط تقديم الأوّل . وذكر بعضهم أنّ الأحوط تقديم الثاني .


   أقول : لم يرد في المقام نص خاص يتضمن السجود على المعادن بل ولا على غيرها ، نعم هناك روايتان دلتا على السجود على ظهر الكف ، ولعلّهما المستند في الاحتياط الذي ذكره البعض المزبور .


   إحداهما : رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت له : أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي كيف أصنع ؟ قال : تسجد على بعض ثوبك ، فقلت : ليس علىّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله قال : اسجد على ظهر كفك فانها إحدى المساجد»(2) .


   الثانية : روايته الاُخرى قال : «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه ، قال : يسجد على ظهر كفه فانها إحدى المساجد»(3) .


   لكنّ الاُولى ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائني قائد أبي بصير ، فانه - كما ورد فيه - كان كذّاباً متهماً ملعوناً .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) أو على غيرها ممّا لا يصح السجود عليه في حال الاختيار .


(2) ، (3) الوسائل 5 : 351 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 5 ، 6 .


ــ[172]ــ


   وكذا الثانية بابراهيم بن اسحق الأحمري فانه ضعيف ، ولا جابر لهما - لو سلّم كبرى الانجبار - لعدم عمل المشهور بهما .


   وبعد وضوح خلوّ المقام عن نص آخر فلابد من ملاحظة ما تقتضيه القاعدة .


   فنقول : مقتضى القاعدة حينئذ وجوب السجود على كل ما يتحقق معه عنوان السجود من دون مدخل لمسجد خاص .


   أما أصل وجوب السجود وعدم الانتقال إلى الايماء ، فلقاعدة الميسور المعتبرة في خصوص باب الصلاة ، كما يكشف عنه ما دل على عدم سقوطها بحال ، حيث يظهر منه وجوب الاتيان بالأجزاء والشرائط بقدر الامكان ، لا سيّما وأنّ السجود يعدّ من الأركان ومما تتألف منه ومن الركوع والطهور حقيقة الصلاة كما اُشير إليه في حديث التثليث(1) . وبما أنّ المفروض التمكن من الاتيان بأصل السجود ، وإنما المتعذر رعاية القيد المعتبر في المسجد وهو كونه من الأرض أو نباتها - أو الثوب كما عرفت - فهو المختص بالسقوط ، فتبقى ذات المقيد بحالها .


   ومنه تعرف عدم الانتقال إلى الايماء ، لعدم كونه من مراتب السجود فانه إيماء إليه ، والاشارة تباين المشار إليه ، فهو بدل شرع لدى العجز عنه ، والمفروض التمكن منه ، ولا إطلاق لدليل البدلية يشمل صورة العجز عن قيده ، لاختصاص مورده بالمريض ونحوه ممّن لا يتمكن من أصل السجود .


   وأما عدم مدخلية مسجد خاص ، فلعدم الدليل بعد خلوّ النصوص ، والأصل البراءة .


   ونتيجة ذلك : جواز السجود بعد فقد الثوب على كل شيء ، وأنّ الأبدال كلها في عرض واحد وعلى حد سواء ، من دون فرق بين المعادن - ونعني 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 6 : 389 / أبواب السجود ب 28 ح 2 .


ــ[173]ــ


   [1372] مسألة 24 : يشترط أن يكون ما يسجد عليه مما يمكن تمكين الجبهة عليه فلا يصح على الوحل والطين والتراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه ، ومع إمكان التمكين لا بأس بالسجود على الطين ، ولكن إن لصق بجبهته يجب إزالته للسجدة الثانية((1)) ، وكذا إذا سجد على التراب ولصق بجبهته يجب إزالته لها ، ولو لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع((2)) من غير اعتماد(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


بها ما لا يصح السجود عليه اختياراً كالذهب والفضة - وغيرها حتى ظهر الكفّ . وما ذكره في المتن من الاحتياط في عدم السجود عليه مع وجود المعدن ، كأنّه ناظر إلى أنّه من أحد المساجد ، فهو مما يسجد به فلا يكون مما يسجد عليه ، لاستظهار المباينة بينهما ، فان تمّ ذلك فلا ينتقل إليه إلا بعد العجز عن كل ما يمكن السجود عليه ، وإلا كان في عرضها .


   (1) تتضمن المسألة فروعاً أربعة :


   الأوّل : أنّه يشترط في المسجد أن يكون ممّا يمكن وضع الجبهة عليه وتمكينها منه ، فلا يصح على الوحل أو الطين أو التراب الذي لا تتمكن الجبهة عليه .


   وتدل عليه - مضافاً إلى عدم تحقق مفهوم السجود حينئذ ، لتقومه بالوضع المتوقف على الاعتماد المنفي مع عدم التمكين ، فالاشتراط المزبور مطابق للقاعدة - موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألت عن حدّ الطين الذي لا يسجد عليه ما هو ؟ فقال إذا غرقت الجبهة ولم تثبت على الأرض»(3) .


   الثاني : أنّه لا بأس بالسجود على الطين إذا أمكن تمكين الجبهة وتثبيتها 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) على الأحوط .


(2) الظاهر وجوب الايماء في هذا الفرض .


(3) الوسائل 5 : 143 / أبواب مكان المصلي ب 15 ح 9 .


ــ[174]ــ


عليه ويدل عليه - مضافاً إلى إطلاقات الأدلة ، بعد وضوح عدم خروج الطين عن مفهوم الأرض ، فانه تراب ممزوج مع الماء ، فهو أرض رطبة ، فيندرج تحت إطلاق الأدلة - مفهوم موثقة عمار المتقدمة آنفاً ، إذ المفروض هنا عدم استغراق الجبهة وحصول التثبوت على الأرض .


   الثالث : لو سجد على الطين أو التراب أو التربة الحسينية (على مشرفها السلام) فلصق بجبهته ، حكم (قدس سره) بوجوب إزالته للسجدة الثانية ، وهذا هو المعروف ، وكأنّ الوجه فيه أنّه بعد اللصوق لا يصدق وضع الجبهة على الأرض ، لحيلولة الطين مثلا بينهما ، وإنما يصدق وضع الطين عليها دون الجبهة نفسها فانها كانت موضوعة حال اللصوق ، ولابدّ من إحداث هذا العنوان المنفي في المقام ، فانه إبقاء لما كان لا إحداث للسجود .


   أقول : مجرد اللصوق ليس من السجود في شيء ، فانه متقوم بالوضع المتوقف على الاعتماد ، فقبل وضع الجبهة بما عليها من الطين على الأرض لا سجود ، وإنما هناك مجرد اللصوق بجزء من أجزاء الأرض ، وبعد وضع المجموع على الأرض أو على غيرها وإن لم يصح السجود عليه يتحقق اعتماد الجبهة على الطين ، فيتحقق السجود حينئذ ويحدث بعد ما لم يكن .


   والحاصل : أنّا لا نضايق من اعتبار الإحداث في امتثال الأمر بالسجود وغيره من سائر الأفعال ، ولا يجزئ الابقاء ، ومن هنا استشكلنا في صحة الوضوء أو الغسل الترتيبي بمجرد التحريك تحت الماء كما مرّ في محله(1) . لكن الإحداث متحقق في المقام من دون حاجة إلى الإزالة ، فكما أنّا لو ألصقنا أحد الجسمين بالآخر ووضعنا المجموع على الرف يصدق معه حدوث وضع الجسم الفوقاني على التحتاني بعد أن لم يكن موضوعاً عليه ، بل كان مجرد اللصوق معه ، فكذا في المقام لا يصدق وضع الجبهة على الطين أو التراب أو 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) شرح العروة 5 : 102 ، العروة 1 : 200/664 .


ــ[175]ــ


التربة إلا عند الاعتماد عليها والهوي إلى السجود ، فلا حاجة إلى الازالة لتحقق مفهوم السجود بدونها ، وإلا لجاز له السجود مرّة أو مرّات عمداً أو سهواً بعنوان الشكر أو بغيره مع تلك الحالة ، لعدم استلزام الزيادة في السجدة قبل الازالة ، لاعتبارها في تحقق مفهومه حسب الفرض ، ولا يظن الالتزام به من أحد .


   فما أفاده في المتن من الوجوب مبني على الاحتياط ، والاقوى عدمه(1) فتدبر جيداً .


   الرابع : ذكر (قدس سره) أنّه إذا لم يجد إلا الطين الذي لا يمكن الاعتماد عليه سجد عليه بالوضع من غير اعتماد ، وهذا مشكل جداً لما عرفت آنفاً من تقوم السجود بالاعتماد ، فمجرد الالصاق والوضع العاري عنه ليس من حقيقة السجود في شيء ، بل هو مباين له ماهية ، ومنه تعرف أنّه لا مجال للاقتصار عليه استناداً إلى قاعدة الميسور ، لعدم كونه من مراتبه بعد مباينته له ذاتاً ، فلا يعدّ ميسوراً منه ، فلا مناص من الانتقال إلى الايماء المجعول بدلا لكل من كان عاجزاً عن السجود .


   وبعبارة اُخرى : بعد سقوط السجود لمكان العجز ، فجواز الاقتصار على الوضع من غير اعتماد يحتاج إلى الدليل ، وحيث لا دليل فالمتعيّن هو الايماء الثابت بدليته لمن لم يتمكن من السجود .


   ويشهد لما ذكرناه : موثق عمار المتقدم(2) الصريح في عدم الأمر بالسجود لدى عدم التمكن من تثبيت الجبهة على الأرض .


   وموثق أبي بصير قال : «قال أبو عبدالله (عليه السلام) : من كان في مكان لا 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) ولكنه (دام ظله) عدل عن ذلك في مبحث السجود وجعل الأقوى وجوب الرفع لاحظ   [العروة 1 : 497 / 1610].


(2) في ص 173 .


ــ[176]ــ


   [1373] مسألة 25 : إذا كان في الأرض ذات الطين بحيث يتلطخ به بدنه وثيابه في حال الجلوس للسجود والتشهد ، جاز له الصلاة مومئاً للسجود ولا يجب الجلوس للتشهد ، لكن الأحوط مع عدم الحرج الجلوس((1)) لهما ، وإن تلطّخ بدنه وثيابه ، ومع الحرج أيضاً إذا تحمله صحت صلاته((2))(1) .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


يقدر على الأرض فليوم إيماء»(3) ، ولا يقدح اشتمال السند على أحمد بن هلال لما مرّ في بعض المباحث السابقة من قبول رواياته ، ولا ريب أنّ اطلاقه شامل للمقام ، لصدق عدم القدرة على الأرض .


   ومنه تعرف أنّ قاعدة الميسور على تقدير تماميتها لا تعمّ المقام ، لاختصاصها بما إذ لم يعيّن الشارع شيئاً بدلا عن المعسور ، وقد ثبتت بدلية الايماء عن السجود في المقام كما عرفت ، فالحكم بالوضع من غير اعتماد يشبه الاجتهاد في مقابل النص .


   (1) يقع الكلام في جهتين :


   الاُولى : إذا كان في أرض ذات طين بحيث لو جلس للسجود والتشهد تلطّخ بدنه وثيابه ، فلا إشكال في جواز الصلاة مومئا إذا كان السجود حرجياً ، لعموم دليل نفي الحرج الحاكم على الأدلة الأولية . مضافاً إلى صريح موثقة عمار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته : الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر على أن يسجد فيه من الطين ، ولا يجد موضعاً جافاً ، قال يفتتح الصلاة فاذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى ، فاذا رفع رأسه من الركوع فليوم بالسجود إيماء وهو قائم ، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ، ويتشهد وهو قائم ويسلم»(4) .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) بل هو الأظهر .


(2) الحكم بالصحة لا يخلو من إشكال ، والأحوط الصلاة مع الايماء .


(3) الوسائل 5 : 141 / أبواب مكان المصلي ب 15 ح 2 .


(4) الوسائل 5 : 142 / أبواب مكان المصلي ب 15 ح 4 .


ــ[177]ــ


   إنّما الكلام في أنّ الحكم هل يختص بمورد الحرج ، أو يعمّه وما إذا لم يترتب سوى تلطخ الثياب والبدن من دون حرج في ذلك ، كما إذا كان متّزراً وهو على الساحل والهواء حارّ بحيث لو سجد يمكنه التنظيف بعدئذ من غير مشقة ؟


   مقتضى الجمود على النص هو الأوّل ، فانّ الظاهر من قول السائل : «وهو في موضع لا يقدر . .» إلخ بعد امتناع الحمل على عدم القدرة عقلا لندرته جداً كما لا يخفى ، هو عدم القدرة عرفاً المساوق للحرج ، فيحتاج التعدي والتعميم لما لا يستلزمه إلى دليل أو قرينة تقتضيه .


   وقد يقال : إنّ القرينة عليه هو قوله : «ولا يجد موضعاً جافاً» ، حيث إنّ فرض عدم وجدان موضع جاف بمقدار ما تسعه الجبهة المستلزم لكون السجود حينئذ حرجياً فرض نادر ، فلابدّ وأن يكون الموضوع لبدلية الايماء مجرد تلطخ الثياب وتلوّثها بالطين من دون فرق بين أن يكون السجود والجلوس له وللتشهد حرجياً وأن لا يكون .


   وفيه أوّلا : أنّ السؤال عن الفرد النادر - على تقدير تسليمه - لا قبح فيه ، وإنّما القبيح حمل المطلق على الفرد النادر ، والمقام من قبيل الأوّل ، والفرق بين الأمرين لا يكاد يخفى .


   وثانياً : أنّ مفروض السؤال إصابة المطر المستوجب لاستيعاب وجه الأرض ، وبطبيعة الحال لا يوجد معه مكان جاف بمقدار ما يسعه بدن المصلي حين صلاته في قيامه وقعوده وركوعه وسجوده ، فلا يكون ذلك من الفرد النادر . نعم لو أريد عدم وجدان موضع جاف لخصوص المسجد وموضع الجبهة تمت الندرة حينئذ ، لكنّ المراد ما ذكرناه كما لا يخفى .


   وعليه ، فلا مقتضي لرفع اليد عن ظهور قوله : «لا يقدر . .» إلخ في إرادة عدم القدرة العرفية المساوقة للحرج .


   فالانصاف : أنّه لا دليل على جواز الانتقال إلى الايماء بمجرد التلطخ 


ــ[178]ــ


والثلوث ، بل الحكم خاص بمورد الحرج ، والمتعيّن في غيره السجود عملا باطلاق دليله .


   الجهة الثانية : لو تحمّل الحرج - في مورده - فصلى مع السجود ، فهل يحكم بصحة الصلاة حينئذ ؟


   قد يقال بذلك كما اختاره الماتن (قدس سره) ، بدعوى أنّ دليل نفي الحرج حيث شرع لأجل الامتنان فلا يرتفع به إلا الالزام دون أصل المحبوبية ، لعدم المنّة في رفعها ، فالمقتضي لصحة العبادة موجود ومعه لا وجه لفسادها .


   أقول : قد تقدّم نظير الفرع في كتاب الطهارة(1) وهو ما لو كان الوضوء أو الغسل حرجياً فتحمّله وأتى بالطهارة المائية ، وقلنا هناك إنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان ، لأنّ دليل نفي الحرج حاكم على الأدلة الأوليّة وموجب لتخصيص موضوعاتها بغير موارد العسر والحرج ، فلا أمر في هذه الموارد ، وواضح أنّ الأمر تكليف بسيط وحداني لا ينحل خارجاً إلى طلب وإلزام كي يبقى الجنس بعد ارتفاع الفصل ، ولا طريق لنا إلى استكشاف الملاك من غير ناحية الأمر .


   وعليه فبعد سقوطه ولو بدليل نفي الحرج ، لا دليل على وجود المقتضي لصحة العبادة كي يصح التعبد بها . نعم الدليل في خصوص موردي الوضوء والغسل موجود ، وهو ما دلّ على استحبابهما النفسي غير القابل لارتفاعه بدليل نفي الحرج بعد وضوح كون الحكمة في تشريعه هو الامتنان ، إذ لا منة في رفع الحكم الاستحبابي بعد كون المكلف مرخصاً في تركه ، فلا مانع من الاتيان بالطهارة المائية بقصد أمرها النفسي وإن استلزم الحرج ، لاتصافها حينئذ بالعبادية .


   وبعبارة اُخرى : للطهارة المائية حيثيّتان : حيثية الاستحباب النفسي ، 


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) شرح العروة 10 : 115 .


ــ[179]ــ


   [1374] مسألة 26 : السجود على الأرض أفضل(1) من النبات والقرطاس ، ولا يبعد كون التراب أفضل من الحجر ، وأفضل من الجميع التربة الحسينية ، فانها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرضين السبع .


   [1375] مسألة 27 : إذا اشتغل بالصلاة وفي أثنائها فقد ما يصح السجود عليه قطعها في سعة الوقت ، وفي الضيق((1)) يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب((2))(2) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


وحيثية الوجوب الشرطي وتقيد الصلاة مثلا بها ، والمرتفع بدليل الحرج إنما هي الحيثية الثانية المتضمنة للالزام ووقوع المكلف في كلفة وضيق ، وأمّا الحيثية الاُولى فبما أنّه لا إلزام فيها والمكلف مخيّر بين الفعل والترك ، فلا يرتفع بذاك الدليل لعدم منّة في رفعه ، فعبادية العمل محرزة ، فيمكن التقرب به وإن تحمّل الحرج .


   وأما غيرها ومنه المقام فحيث لم يكن في مورده إلا أمر واحد وقد سقط على الفرض ، فلم تحرز عباديته كي يحكم بصحته .


   فالأقوى في المقام عدم صحة الصلاة مع السجود ، ولزوم الانتقال إلى الايماء الثابت بدليته لدى سقوط الأمر بالسجود كما مرّ .


   (1) لروايات(3) دلت عليه وعلى أفضلية التراب ، وكذا أفضلية التربة الحسينية (على مشرّفها آلاف السلام والتحية) وأنّها تخرق الحجب السبع وتستنير إلى الأرض كما لا يخفى على من لاحظها ، ولا يهم التعرض لها .


   (2) فصّل (قدس سره) حينئذ بين السعة والضيق ، فيقطعها في الأوّل ، وفي الثاني يسجد على ثوبه القطن أو الكتّان أو المعادن أو ظهر الكف على الترتيب .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) بأن لا يتمكن من إدراك ركعة جامعة للشرائط .


(2) على النحو المتقدّم [في المسألة 1371] .


(3) راجع الوسائل 5 : 367 / أبواب ما يسجد عليه ب 17 ، 365 ب 16 .


ــ[180]ــ


   أقول : قد عرفت أنّ الترتيب المزبور لا دليل عليه ، وعليه ففي الضيق - حتى عن درك ركعة واحدة مشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه - إن تمكّن من السجود على الثوب مطلقاً ، وإلا فيسجد على كل ما يمكن السجود عليه من دون ترتيب .


   وأما في السعة ، فالصحيح هو ما أفاده من وجوب القطع ، من غير فرق بين قدرته فعلا على ما يصح السجود عليه لوجوده عنده في مكان آخر وبين عدم قدرته عليه إلا بانتظار زمان آخر قبل خروج الوقت . وبعبارة اُخرى : لا فرق في ذلك بين الأفراد العرضية والطولية ، والوجه في ذلك : أنّ الواجب عليه هو الصلاة المشتملة على السجود على ما يصح السجود عليه في مجموع الوقت ، والمفروض قدرته على هذه الطبيعة ، فلا وجه لسقوط أمرها . فكلّ ما صدقت عليه هذه الطبيعة يحكم بصحته وإلا فلا ، وحيث لا يمكنه تطبيقها على هذا الفرد فلا يسعه الاجتزاء به ، لعدم تحقق الامتثال المنتزع من مطابقة المأتي به مع المأمور به ، وعليه فالصلاة بنفسها باطلة ومحكومة بالفساد ، فانه في باب العبادات عبارة عن عدم انطباق المأمور به على المأتي به ، كما أنّ الصحة عبارة عن تطابقهما ، وهذا هو المراد من وجوب القطع في المقام كما لا يخفى .


   وربما يفصّل بين الأفراد العرضية والطولية ، فيحكم بالفساد في الأوّل لما ذكر ، وأّما في الثاني فيبتني على جواز البدار لذوي الأعذار وعدمه ، والمختار هو الثاني ، إلا أن تكون لدليل البدلية خصوصية تقتضي الجواز ، ونصوص المقام من هذا القبيل ، لاطلاقها من حيث التمكن ممايسجد عليه فيما بعد وعدمه ، بل إنّ بعضها كالصريح في الأوّل ، فإنّ حرارة الرمضاء المانعة عن السجود على الحصى إنما تكون في أوائل وقت الظهر فجوّز (عليه السلام) البدار إلى السجود على الثوب مع زوال العذر بعدئذ والتمكن من الفرد الطولي .


   ويرد عليه : بعد تسليم الاطلاق في هذه الأخبار ، فانّها مسوقة لبيان أصل مشروعية البدل ولا نظر فيها إلى التمكن بعدئذ وعدمه حتى ينعقد الاطلاق 


ــ[181]ــ


كما لا يخفى ، وبعد الغض عن أنّ مواردها هي التقية - كما عرفت - التي يكتفى فيها بالمعذورية حين العمل وإن ارتفع العذر بعدئذ ، فلا يتعدى إلى غيرها من بقية الأعذار ، فبعد الغض عن كل ذلك .


   يتوجه عليه أوّلا : أنّ الاطلاق في هذه الأخبار معارض بالاطلاق في موثقة عمار ، قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلي على الثلج ، قال : لا ، فان لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه»(1) ، فانّ تعليق الانتقال إلى الثوب على عدم القدرة على الأرض بقول مطلق من غير تقييد بالعجز الفعلي ، يقتضي كون المعلّق عليه هو عدم القدرة على سبيل الاطلاق الشامل للأفراد العرضية والطولية ، إذ مع التمكن من الفرد الطولي لا يصدق أنّه غير قادر على الأرض كما لا يخفى .


   وموردها وإن كان هو الثلج لكنه لا خصوصية له قطعاً ، بل الموضوع كلّ من لم يكن قادراً على السجود على الأرض إما لأجل الثلج أو لجهة اُخرى .


   ويؤيّد الموثق : خبر علي بن جعفر قال : «سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود ، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً ؟ قال : إذا كان مضطراً فليفعل»(2) وإن كان ضعيف السند لمكان عبدالله بن الحسن ، فان إطلاق الاضطرار يعم الفرد الطولي كالعرضي .


   وثانياً : أنّ الاطلاق المدعى لو تمّ لعمّ وشمل الأفراد العرضية كالطولية بمناط واحد ، فما هو الموجب لاختصاصه بالثانية .


   فتحصلّ : أنّ التفصيل المزبور لا وجه له ، بل الصواب التفصيل بين الضيق والسعة على النهج الذي عرفت .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) الوسائل 5 : 164 / أبواب مكان المصلي ب 28 ح 2 .


(2) الوسائل 5 : 352 / أبواب ما يسجد عليه ب 4 ح 9 .


ــ[182]ــ


   [1376] مسألة 28 : إذا سجد على ما لا يجوز باعتقاد أنه مما يجوز ، فان كان بعد رفع الرأس مضى ولا شيء عليه((1))(1) .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   (1) هذا وجيه بناء على ما هو المشهور بينهم من أنّ الوضع على ما يصح السجود عليه واجب حال السجود ، بحيث يكون السجود ظرفاً للواجب على سبيل تعدد المطلوب ، وذلك لفوات المحل بمجرد رفع الرأس ، بعد أن كان المحل هو طبيعي السجود المنطبق على صرف الوجود المنقطع بالرفع المزبور ، إذ لا سبيل حينئذ للتدارك إلا باعادة الصلاة المنفية بحديث لا تعاد ، لاندارج الواجب المذكور في عقد المستثنى منه من الحديث .


   وأما بناء على ما هو الأصح من كونه قيداً فيه على نحو وحدة المطلوب ، بأن يكون السجود المأمور به حصة خاصة وهي المتقيّدة بذلك على ما هو شأن الارتباطية الملحوظة بين أجزاء المركب من تقيّد كل جزء بالمسبوقية أو الملحوقية أو المقارنة بما سبقها أو يلحقها أو يقارنها من ساير الأجزاء - كما تقدم في مطاوي هذا الشرح غير مرّة - فلا مناص حينئذ من إعادة السجود ، لمكان عدم انطباق المأمور به على المأتي به ، وإن كان الأحوط إعادة الصلاة أيضاً لاحتمال كونه من الزيادة العمدية .


   هذا كله فيما إذا كانت الغلطة في سجدة واحدة .


   وأما إذا كانت في السجدتين معاً ، فلا حاجة إلى الاعادة على مبنى الظرفية ، سواء كان التذكّر قبل الدخول في الركوع أم بعده ، لفوات المحل حسبما عرفت .


وأما على مسلك القيدية ، فقد يكون التذكر قبل الدخول في الركوع وقد يكون بعده .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) فيه إشكال ، والأحوط إعادة السجدة الواحدة حتى إذا كانت الغلطة في سجدتين ثم إعادة الصلاة .


ــ[183]ــ


وإن كان قبله جرّ جبهته (1) إن أمكن((1)) ،


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   أمّا في الموضع الأوّل : فتارةً نبني على أنّ المراد من السجود في عقد الاستثناء من حديث لا تعاد هو ذات السجود ، أعني ما صدق عليه السجود عرفاً ، المتحقق بمجرد وضع الجبهة على الأرض سواء كانت ممّا يصح السجود عليه شرعاً أم لا . واُخرى نبني على أنّ المراد خصوص السجود الشرعي .


   فعلى الأوّل ، وهو الأظهر - على ما بيناه في محله(2) - لا سبيل لاعادة السجدتين ، للزوم زيادة الركن . نعم لا محيص من إعادة السجدة الثانية خاصة ، لانكشاف فسادها مع بقاء محل التدارك وانتفاء المحذور المزبور ، وأما الأولى فيحكم بصحتها(3) بمقتضى حديث لا تعاد بعد امتناع تداركها واندراجها في عقد المستثنى منه .


   كما أنّه على الثاني لا محيص من إعادتهما معاً لعين ما ذكر ، ضرورة عدم الزيادة في السجود الشرعي الذي هو المدار في تحقق الركن حسب الفرض ، وإن كان الأحوط إعادة الصلاة بعد ذلك لاحتمال كونه من الزيادة العمدية حسبما سبق .


   وأمّا في الموضع الثاني : فلا مناص من إعادة الصلاة ، للزوم زيادة الركن لو تدارك ، ونقيصته لو لم يتدارك كما لا يخفى .


   (1) إلى ما يصح السجود عليه لبقاء المحل .


   ولكنه لا يستقيم بناءً على ما هو الأصح من اعتبار الإحداث وإيجاد السجود بعد ما لم يكن ، وعدم كفاية الابقاء .


ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) لا يبعد وجوب الرفع والوضع على مايصح السجود عليه مع التمكن وسعة الوقت ،  والأحوط إعادة الصلاة بعد ذلك .


(2) بعد المسألة [1608] فصل في السجود .


(3) ولكنه (دام ظله) ناقش في ذلك في مبحث السجود لاحظ [المسألة 1618] .


ــ[184]ــ


وإلا قطع الصلاة في السعة ، وفي الضيق(1) أتم على ما تقدم((1))(2) إن أمكن ، وإلا اكتفى به .


 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   ويعضده : أنّ لازم الكفاية جواز الجرّ حتى في صورة الالتفات والعمد ، بأن يسجد ابتداء على ما [لا] يصح عامداً ثم يجرّ ، وهو كما ترى .


   نعم ، ثبت الجرّ في بعض الموارد بالنص الخاص(2) ، لكنه لمّا كان على خلاف القاعدة لم يكن بدّ من الاقتصار على مورده وعدم التعدي عنه .


   (1) أي العجز عن إدراك ركعة واحدة جامعة للشرائط حسبما تقدم في المسألة السابقة .


   (2) وقد تقدم ما هو الأصح في كيفية الترتيب في المسألة الثالثة والعشرين فلاحظ(3) .


 ــــــــــــــــــــــــــــ


(1) على ما مرّ من جهة الترتيب ومعنى الضيق [في المسألة 1371 ، 1375] .


(2) الوسائل 6 : 353 / أبواب السجود ب 8 ح 1 ، 2 .


(3) ص 167 .